للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً، يعنى النفر الذين وجهت قريش بهم ليصيبوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا فلم ينالوا شيئا وأخذوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بجملتهم وسيقوا إليه فخلى سبيلهم.

ثم قال بعد: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ يعنى سهيل ابن عمرو حين حمى أن يكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. وأن محمدا رسول الله:

فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها، أى التوحيد: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد ورسوله.

ثم قال: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا أى لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم التى رأى أنه سيدخل مكة آمنا لا يخاف. وقد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة بعض من كان معه: ألم تقل يا رسول الله أنك تدخل مكة آمنا؟ قال: «بلى» ، قال:

«أفقلت لكم من عامى هذا؟» قالوا: لا. قال: «فهو كما قال لى جبريل» «١» فحقق له سبحانه من موعده ما أنجزه له بعد وصدقه بقوله جل قوله: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ معه فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً صلح الحديبية.

يقول الزهرى: فما فتح فى الإسلام فتح قبله كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب وأمن الناس كلهم بعضهم بعضا والتقوا فتفاوضوا فى الحديث والمنازعة، فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه، فلقد دخل فى تينك السنتين مثل من كان فى الإسلام قبل ذلك وأكثر.

قال ابن هشام «٢» : والدليل على ما قال الزهرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية فى ألف وأربعمائة فى قول جابر بن عبد الله ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين فى عشرة آلاف.

وذكر ابن عقبة أنه لما كان صلح الحديبية قال رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا بفتح، لقد صددنا عن البيت وصد هدينا. فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول أولئك فقال:


(١) انظر الحديث فى: مسند الإمام أحمد (٤/ ٣٣١) ، تفسير ابن كثير (٨/ ١٢٠) .
(٢) انظر السيرة (٣/ ٢٩٦) .