قال عبد الله بن رواحة:
خلف السلام على امرىء ودعته ... فى النخل خير مشيع وخليل
وحدث زيد بن أرقم قال: كنت يتيما لعبد الله بن رواحة فى حجرة، فخرج بى فى سفره ذلك مردفى على حقيبة رحلة، فواله إنه ليسير ليلة إذ سمعته ينشد أبياته هذه:
إذ أدنيتنى وحملت رحلى ... مسيرة أربع بعد الحساء
فشأنك فانعمى وخلاك ذم ... ولا أرجع إلى أهلى ورائى
وجاء المسلمون وغادرونى ... بأرض الشام مشتهى الثواء
وردك كل ذى رحم قريب ... إلى الرحمن منقطع الرجاء
هنالك لا أبالى طلع بعل ... ولا نخل أسافلها وراء
فلما سمعتهن بكيت فخفقنى بالدرة وقال: وما عليك يا لكع أن يرزقنى الله الشهادة وترجع بين شعبتى الرحل؟!
ثم مضى القوم حتى نزلوا معان من أرض الشام فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء فى مائة ألف من الروم وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء وبلى مائة ألف منهم.
فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين ينظرون فى أمرهم وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا فإما أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمره فنمضى له. فشجع الناس عبد الله بن رواحة فقال: يا قوم، والله إن الذى تكرهون للذى خرجتم تطلبون، الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذى أكرمنا الله به فانطلقوا، فإنما هى إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة، فقال الناس: صدق والله ابن رواحة. فمضى الناس وقال عبد الله فى مجلسهم ذلك:
جلبنا الخيل من أجأ وفرع ... تعر من الحشيش لها العكوم
حذوناها من الصوان سبتا ... أزل كأن صفحته أديم «١»
أقامت ليلتين على معان ... فأعقب بعد فترتها جموم
فرحنا والجياد مسومات ... تنفس فى مناخرها السموم
(١) حذوناها: أى جعلنا لها حذاء، وهو النعل. والصوان: حجارة ملس. والسبت: النعال المصنوعة من الجلد المدبوغ.