للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أخذ الراية ثابت بن أرقم أخو بنى العجلان فقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم. قالوا: أنت. قال ما أنا بفاعل، فاصطلح القوم على خالد بن الوليد.

فلما أخذ الراية دافع القوم وخاشى بهم ثم انحاز وانحيز عنه، حتى انصرف بالناس.

ولما أصيب القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيدا» ، ثم صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الأنصار وظنوا أنه قد كان فى عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون، ثم قال: «أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا» . ثم قال: «لقد رفعوا إلى الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب، فرأيت فى سرير عبد الله بن رواحة ازورارا عن سريرى صاحبيه فقلت: عم هذا؟ فقيل لى: مضيا وتردد عبد الله بعض التردد ثم مضى» «١» .

وذكر ابن هشام أن جعفرا أخذ اللواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فأثابه الله بذلك جناحين يطير بهما حيث شاء.

ويقال: إن رجلا من الروم ضربه- يومئذ- فقطعه نصفين.

وذكر ابن عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بالمدينة لما أصيبوا، قبل أن يأتيه نعيهم: «مر على جعفر بن أبى طالب فى الملائكة يطير كما يطيرون له جناحان» . قال: وقدم يعلى ابن منبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر أهل مؤتة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن شئت فأخبرنى وإن شئت أخبرتك» . قال: فأخبرنى يا رسول الله فأخبره صلى الله عليه وسلم خبرهم كله ووصفه له.

فقال: والذى بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا واحدا لم تذكره، وإن أمرهم لكما ذكرت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفع لى الأرض حتى رأيت معتركهم» .

وحدثت أسماء بنت عميس امرأة جعفر قالت: لما أصيب جعفر وأصحابه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ايتينى ببنى جعفر» . وقد كانت غسلتهم ودهنتهم ونظفتهم.

قالت: فأتيته بهم فشمهم وذرفت عيناه، فقلت: يا رسول الله بأبى أنت ما يبكيك؟

أبلغك عن جعفر وأصحابه شىء؟ قال: «نعم، أصيبوا هذا اليوم» . قالت: فقمت أصيح واجتمع إلى النساء. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال: «لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاما، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم» «٢» .


(١) انظر الحديث فى: مجمع الزوائد للهيثمى (٦/ ١٦٠) .
(٢) انظر الحديث فى: سنن ابن ماجه (١/ ١٦١٠) ، سنن الترمذى (٣/ ٩٩٨) ، السنن الكبرى للبيهقى (٤/ ٦١) .