للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحرم ومنعه من البغى فيه والإلحاد، وقمع الظالم ومنع المظلوم.

إلا أنه دخلت على أوليتهم أحداث غيرت أصول الحنيفية عندهم، وطال الزمان حتى أفضى ذلك بهم إلى جهالات بشرائع الدين وضلالات عن سنن التوحيد فتدارك الله ذلك كله بنبيه صلى الله عليه وسلم، فهدى من الضلالة وعلم من الجهالة.

فيقال: إنه كان أول من غير الحنيفية دين إبراهيم ونصب الأوثان حول الكعبة ودعا إلى عبادتها: عمرو بن لحى بن قمعة بن إلياس بن مضر.

روى أبو هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون الخزاعى: «يا أكثم، رأيت عمرو بن لحى بن قمعة بن خندف يجر قصبه فى النار، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ولا بك منه» . فقال أكثم: عسى أن يضرنى بشبهه يا نبى الله، قال: «لا، لأنك مؤمن وهو كافر، إنه كان أول من غير دين إسماعيل، فنصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامى» «١» .

فالبحيرة «٢» : عند العرب الناقة تشق أذنها ولا يركب ظهرها ولا يجزّ وبرها ولا يشرب لبنها إلا ضيف، أو يتصدق به، وتهمل لآلهتهم.

والسائبة: التى ينذر الرجل إن برئ من مرضه أو أصاب أمرا يطلبه أن يسيبها ترعى لا ينتفع بها.

والوصيلة: التى تلد أمها اثنين فى كل بطن، فيجعل صاحبها لآلهته الإناث منها ولنفسه الذكور، فتلدها أمها ومعها ذكر فى بطن فيقولون: وصلت أخاها، فيسيب أخوها معها فلا ينتفع به.

والحامى: الفحل إذا نتج له عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذكر حمى ظهره، فلم يركب ولم يجز وبره وخلى فى إبله يضرب فيها، لا ينتفع منه بغير ذلك.

فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم أنزل عليه: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [المائدة:

١٠٣] .


(١) أخرجه الطبرى فى تفسيره (٧/ ٥٦) ، ابن كثير فى تفسيره (٣/ ٢٠٤) ، الألبانى فى السلسلة الصحيحة (١٦٧٧) .
(٢) انظر: السيرة (١/ ٩٠- ٩٢) ، أمر البحيرة والسائبة والوصيلة والحامى.