وقيل: بل كان هذا الحلف على مثل حلف تقدم إليه نفر من جرهم يقال لهم:
الفضل وفضال والفضيل، فسمى لذلك هذا الآخر حلف الفضول، وأيا ما كان من ذلك، فهى مأثره لقريش من مآثرها الكرام، وآثارها العظام، نالتهم فيه بركة حضور رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو وإن كان فعلا جاهليا دعتهم السياسة إليه، فقد صار لحضور رسول الله صلى الله عليه وسلم له وما قاله بعد النبوة فيه وأكده من أمره، حكما شرعيا وفعلا نبويا.
وقد نشأ بين حسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهما، وبين الوليد بن عتبة بن أبى سفيان زمن معاوية، والوليد يومئذ أمير المدينة من قبله منازعة فى مال كان بينهما بذى المروة، فكأن الوليد تحامل على حسين فى حقه لسلطانه، فقال له حسين: أحلف بالله لتنصفنى من حقى أو لآخذن سيفى ثم لأقومن فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لأدعون بحلف الفضول.
فقال عبد الله بن الزبير وهو عند الوليد: وأنا أحلف بالله لئن دعا به لآخذن سيفى ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه أو نموت جميعا. وبلغت المسور بن مخرمة الزهرى فقال مثل ذلك. وبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمى فقال مثل ذلك. فلما بلغ ذلك الوليد أنصف الحسين من حقه حتى رضى. ولم تكن بنو عبد شمس دخلت فى هذا الحلف.
وقد سأل عبد الملك بن مروان عن ذلك محمد بن جبير بن مطعم إذ قدم عليه حين قتل ابن الزبير، واجتمع الناس على عبد الملك بن مروان، وكان محمد بن جبير أعلم قريش، فلما دخل عليه قال: يا أبا سعيد، ألم نكن نحن وأنتم، يعنى بنى عبد شمس وبنى نوفل ابنى عبد مناف، فى حلف الفضول؟ قال: أنت أعلم. قال عبد الملك: لتخبرنى يا أبا سعيد بالحق من ذلك. فقال: لا والله، لقد خرجنا منه نحن وأنتم. قال: صدقت.
فكان عتبة بن ربيعة بن عبد شمس يقول: لو أن رجلا وحده خرج من قومه لخرجت من عبد شمس، حتى أدخل فى حلف الفضول.
وكانت لقريش أحلام عظام، كانوا منها فى جاهليتهم على مثل السلطان الضابط، عناية من الله بهم ومنا منه سبحانه عليهم، هم سكان الحرم، وأهل الله وحجاب بيته، وأهل السقاية والرفادة والرياسة واللواء والندوة ومكارم مكة، وكانوا على إرث من دين أبويهم إبراهيم وإسماعيل صلى الله عليهما، من قرى الضيف ورفد الحاج وتعظيم