دعاهم إليه، فذكر الزبير وغيره أن رجلا من أهل اليمن من بنى زبيد قدم مكة معتمرا ومعه بضاعة له، فاشتراها رجل من بنى سهم، ويقال: إنه العاص بن وائل، فلوى الرجل بحقه، فسأله ماله فأبى عليه، وسأله متاعه فأبى عليه، فجاء إلى بنى سهم يستعديهم عليه، فأغلظوا له، فعرف أن لا سبيل إلى ماله، فطوف فى قبائل قريش يستعين بهم، فتخاذلت القبائل عنه، فلما رأى ذلك قام على الحجر، ويقال: بل أشرف على أبى قبيس حين أخذت قريش مجالسها ثم نادى بأعلى صوته ثم قال:
يا آل فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائى الدار والنفر
وأشعث محرم لم يقض حرمته ... بين الإله وبين الحجر والحجر
أقائم من بنى سهم بذمتهم ... أم ذاهب فى ضلال مال معتمر
فلما سمعت ذلك قريش أعظموه وتكلموا فيه، فقال المطيبون: والله لئن قمنا فى هذا لتغضبن الأحلاف، وقال الأحلاف: والله لئن تكلمنا فى هذا ليغضبن المطيبون. فقال ناس من قريش: تعالوا فلنكن حلفا فضولا دون المطيبين ودون الأحلاف، فلذلك قيل له:
حلف الفضول.
فاجتمعوا فى دار عبد الله بن جدعان، وصنع لهم طعاما كثيرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ معهم قبل أن يوحى إليه، فاجتمعت بنو هاشم وبنو المطلب وزهرة وأسد وتيم، فتحالفوا على أن لا يظلم بمكة قريب ولا غريب ولا حر ولا عبد إلا كانوا معه، حتى يأخذوا له بحقه ويردوا إليه مظلمته من أنفسهم ومن غيرهم، ثم عمدوا إلى ماء من ماء زمزم فجعلوه فى جفنة، ثم بعثوا به إلى البيت فغسلت فيه أركانه، ثم أتوا به فشربوه، ثم انطلقوا إلى الرجل الذى تعدى على الرجل المستصرخ، العاص بن وائل أو غيره. فقالوا:
والله لا نفارقك حتى تؤدى إليه حقه.
فأعطى الرجل حقه، فمكثوا كذلك لا يظلم أحد حقه بمكة إلا أخذوه له، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لقد شهدت فى دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لى به حمر النعم، ولو أدعى به فى الإسلام لأجبت»«١» .
وحكى الزبير أيضا أنه إنما سمى حلف الفضول لأنهم تحالفوا على أن لا يتركوا لأحد عند أحد فضلا إلا أخذوه. وقيل: إنما سمى بذلك لأنه لما تداعى له من ذكر من قبائل قريش كره ذلك سائر المطيبين والأحلاف بأسرهم، وسموه حلف الفضول، عيبا
(١) أخرجه البيهقى فى السنن الكبرى (٦/ ١٦٧) ، القرطبى فى تفسيره (٦/ ٣٣، ١٠/ ١٦٩) ، ابن كثير فى البداية والنهاية (٢/ ٢٩١) .