للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكعبة، ثم غمس القوم أيديهم فيها فتعاقدوا وتعاهدوا هم وحلفاؤهم، ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا على أنفسهم، فسموا المطيبين.

وتعاقد بنو عبد الدار وتعاهدواهم وحلفاؤهم عند الكعبة حلفا مؤكدا على أن لا يتخاذلوا ولا يسلم بعضهم بعضا، فسموا الأحلاف.

ثم سوند بين القبائل ولز بعضها ببعض، فعبئت عبد مناف لبنى سهم، وعبئت بنو أسد لبنى عبد الدار، وعبئت زهرة لبنى جمح، وعبئت تيم لبنى مخزوم، وعبئت بنو الحارث بن فهر لبنى عدى، ثم قالوا: لتغن كل قبيلة من أسند إليها.

فبينما الناس على ذلك قد أجمعوا للحرب إذ تداعوا إلى الصلح على أن يعطوا بنى عبد مناف السقاية والرفادة، وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبنى عبد الدار كما كانت، ففعلوا، ورضى كل واحد من الفريقين بذلك، وتحاجز الناس عن الحرب، وثبت كل قوم مع من حالفوا، حتى جاء الله بالإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما كان من حلف فى الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة» «١» .

فهذا حلف المطيبين «٢» .

وقد كان فى قريش حلف آخر بعده، وهو حلف الفضول «٣» ، تداعت إليه قبائل من قريش، فاجتمعوا إليه فى دار عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، لشرفه وسنه، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول.

واختلف فى السبب الذى دعا قريشا إلى هذا الحلف، ولم سمى بهذا الاسم، فأما ما


(١) أخرجه البيهقى فى السنن الكبرى (٦/ ٣٣٥) .
(٢) انظر: السيرة (١/ ١٢٠- ١٢٢) .
(٣) قال السهيلى فى الروض الأنف (١/ ١٥٥) : قال ابن قتيبة: كان قد سبق قريشا إلى مثل هذا الحلف جرهم فى الزمن الأول، فتحالف منهم ثلاثة هم ومن تبعهم، أحدهم: الفضل بن فضالة، والثانى: الفضل بن وداعة، والثالث: فضيل بن الحارث، هذا قول القتبى. وقال الزبير: الفضيل ابن شراعة، والفضل بن وداعة، والفضل بن قطاعة، فلما أشبه حلف قريش الآخر فعل هؤلاء الجرهميين سمى: حلف الفضول، والفضول جمع فضل، وهى أسماء أولئك الذين تقدم ذكرهم، وهذا الذى قال ابن قتيبة حسن.