للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السلام، وأن ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا كانوا رجالا صالحين من قوم نوح، أهل عبادة وفضل، فماتوا، فوجد عليهم أهلوهم وتوحش الناس لفقدهم، فقال لهم رجل: ألا أصورهم لكم صورا من خشب فتنظرون إليهم وتسكنون إلى رؤيتهم؟ قالوا: بلى إن قدرت، قال: أنا أقدر على تصويرهم، ولا أقدر أن أنفخ الروح فيهم.

فجاء بالصور كهيئتهم أحياء، فأخذ أهل كل بيت صورة صاحبهم فوضعوها فى منزلهم ينظرون إليها، فأذهب ذلك بعض حزنهم. فكانوا على ذلك ما شاء الله، حتى هلك ذلك القرن، ثم خلف قرن آخر ثم ثالث بعده فكانوا على ما كان عليه القرن الأول حتى هلكوا.

ثم خلف القرن الرابع، فقالوا: لو أنا عبدنا هؤلاء لقربونا إلى الله وشفعوا لنا عنده، ولا يزيدونا إلا خيرا إنما نريد ما يقربنا منه، فعبدوها حتى هلكوا، وعبدها من بعدهم.

فلما غرقت الأرض زمن نوح عليه السلام، غرقت تلك الأصنام، فمكثت ما شاء الله أن تمكث، ثم استخرجها عمرو بن لحى ففرقها فى القبائل. فالله تعالى أعلم.

وقد خرج البخارى فى صحيحه من حديث عبد الله بن عباس موقوفا عليه فى التفسير نحو ما ذكره الواقدى مختصرا، أن ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام، فلما هلكوا أوحى الشياطين إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التى كانوا يجلسون إليها أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت.

قال ابن إسحاق: واتخذ أهل كل دار فى دارهم صنما يعبدونه، فإذا أراد الرجل منهم سفرا تمسح به حين يركب، فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجه إلى سفره، وإذا قدم من سفره تمسح به، وكان أول ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله، فلما بعث الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالتوحيد قالت قريش: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ [ص: ٥] «١» .


(١) ذكر الإمام أحمد فى مسنده (١/ ٢٢٧) أن هذه الآية نزلت حين مرض أبو طالب فدخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل وشكوا النبى صلى الله عليه وسلم لعمه أبى طالب فقال له أبو طالب: أى ابن أخى ما بال قومك يشكونك يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وأكثروا عليه من القول وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عم إنى أريدهم على لمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب وتؤدى إليهم بها العجم الجزية» ، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقال القوم: كلمة واحدة، نعم وأبيك عشرا، قالوا: فما هى؟ قال: «لا إله إلا الله» ، فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم، وهم يقولون: أَجَعَلَ-