للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت العرب قد اتخذت مع الكعبة طواغيت، وهى بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة، لها سدنة وحجاب، وتهدى إليها كما تهدى للكعبة، وتطوف بها كطوافها، وتنحر عندها، وهى تعرف فضل الكعبة عليها، لأنها قد عرفت أنها بيت إبراهيم عليه السلام ومسجده.

وسيمر فى تضاعيف هذا الكتاب بعض أخبار هذه الطواغيت وكيف جعل الله عاقبة أمرها خسرا، فأزهق الحق باطلها وعفى الإسلام آثارها، وأكمل الله تعالى دينه، وتم نوره ونعمته، ونصر دين الهدى والحق، فأظهره على الدين كله.

ومع إصفاق العرب مضرها ويمنها على هذا الضلال، فقد كان وقع إلى بعضهم باليمن دين اليهودية فدانوا به، ووقع أيضا دين النصرانية بنجران من أرض العرب على ما نذكره.

فأما موقع اليهودية باليمن فمن جهة تبع الآخر، وهو تبان أسعد أبو كرب بن كلكى ابن كرب بن زيد، وهو تبع الأول بن عمرو ذى الأذعار بن أبرهة ذى المنار. وتبان أسعد هو الذى قدم المدينة وساق الحبرين من يهود إلى اليمن، وعمر البيت الحرام وكساه.

وكان قد جعل طريقه حين أقبل من المشرق على المدينة، وكان قد مر بها فى بدأته فلم يهج أهلها وخلف بين أظهرهم ابنا له فقتل غيلة، فقدمها، وهو مجمع لإخرابها واستئصال أهلها وقطع نخلها.

فجمع له هذا الحى من الأنصار، ورئيسهم عمرو بن ظلة أخو بنى النجار، وقد كان رجل من بنى عدى بن النجار يقال له: أحمر، عدا على رجل من أصحاب تبع، حين نزل بهم، فقتله. وذلك أنه وجده فى عذق له يجده «١» ، فضربه بمنجله فقتله، وقال: إنما التمر لمن أبره «٢» . فزاد ذلك تبعا حنقا عليهم.

فاقتتلوا، فتزعم الأنصار أنهم كانوا يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل! فيعجبه ذلك منهم، ويقول: والله إن قومنا لكرام.


- الْآلِهَةَ الآية، فزل فيهم: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ. وأخرجه الترمذى فى كتاب التفسير (٣٢٣٢) . وذكره ابن كثير فى البداية (٣/ ١٣٥) .
(١) العذق: كل غصن له شعب، وقيل: هى النخلة عند أهل الحجاز، ويجده: أى يقطعه.
(٢) أبره: أى أصلحه، والأبر: العامل، والمؤتبر: رب الزرع، والمأبور: الزرع والنخل المصلح. انظر: اللسان (مادة أبر) .