وكان لرجل من أهل القرية ابن ضرير، فسأل عن شأن فيميون، فقيل له: إنه لا يأتى أحدا دعاه، ولكنه رجل يعمل للناس البنيان بالأجر، فعمد الرجل إلى ابنه ذلك فوضعه فى حجرته وألقى عليه ثوبا، ثم جاءه فقال: يا فيميون، إنى قد أردت أن أعمل فى بيتى عملا، فانطلق معى حتى تنظر إليه فأشارطك عليه.
فانطلق معه حتى دخل حجرته، ثم قال له: ما تريد أن تعمل فى بيتك هذا؟ قال:
كذا وكذا. ثم انتشط الثوب عن الصبى وقال: يا فيميون: عبد من عباد الله أصابه ما ترى فادع الله له. فدعا له فيميون فقام الصبى ليس به بأس «١» .
وعرف فيميون أنه قد عرف، فخرج من القرية، واتبعه صالح، فبينا هو يمشى فى بعض الشام إذ مر بشجرة عظيمة فناداه منها رجل فقال: يا فيميون ما زلت أنتظرك وأقول: متى هو جاء، حتى سمعت صوتك فعرفت أنك هو، لا تبرح حتى تقوم على، فإنى ميت الآن.
قال: فمات. وقام عليه حتى واراه، ثم انصرف ومعه صالح، حتى وطئا بعض أرض العرب، فاحتفظتهما سيارة من بعض العرب، فخرجوا بهما حتى باعوهما بنجران، وأهل نجران يومئذ على دين العرب يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم لها عيد فى كل سنة، إذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه وحلى النساء، ثم خرجوا إليها فعكفوا عليها يوما.
فابتاع فيميون رجل من أشرافهم، وابتاع صالحا آخر، فكان فيميون إذا قام من الليل يصلى فى بيت أسكنه إياه سيده، استسرج له البيت نورا حتى يصبح، من غير مصباح، فرأى ذلك سيده فأعجبه ما يرى منه، فسأله عن دينه فأخبره به، وقال له فيميون: إنما أنتم فى باطل، إن هذه النخلة لا تضر ولا تنفع، لو دعوت عليها إلهى الذى أعبد أهلكها، وهو الله وحده لا شريك له، فقال له سيده: فافعل، فإنك إن فعلت دخلنا فى
(١) قال فى الروض الأنف (١/ ٤٦) : ذكر الطبرى قصة الرجل الذى دعى لابنه فشفى بأتم مما ذكره ابن إسحاق، قال: فيميون حين دخل الرجل وكشف له عن ابنه: اللهم عبد من عبادك دخل عليه عدوك فى نعمتك ليفسدها عليه فاشفه وعافه وامنعه منه، فقام الصبى ليس به بأس، فتبين من هذا أن الصبى كان مجنونا لقوله: دخل عليه عدوك: يعنى الشيطان، وليس هذا فى حديث ابن إسحاق.