للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال للملك: إنك لست بقاتلى حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟.

قال: تجمع الناس فى صعيد واحد، وتصلبنى على جذع، ثم خذ سهما من كنانتى، ثم ضع السهم فى كبد القوس، ثم قل: باسم الله رب الغلام، ثم ارمنى، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتنى. فجمع الناس فى صعيد واحد وصلبه على جذع، ثم أخذ سهما من كنانته، ثم وضع السهم فى كبد القوس، ثم قال: باسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم فى صدغه، فوضع يده فى صدغه فى موضع السهم فمات.

فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام. فأتى الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس.

فأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدت وأضرم النيران، وقال: من لم يرجع عن دينه، يعنى فأقحموه فيها. أو قيل له: اقتحم. ففعلوا، حتى جاءت امرأة ومعها صبى لها، فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أمه، اصبرى فإنك على الحق!!.

فهذا حديث مسلم عن عبد الله بن الثامر وأهل نجران، وإن وقعت الأسماء فيه مبهمة، فقد فسرها العلماء بما ورد من ذلك مبينا فى حديث ابن إسحاق وغيره، وجعلوا ذلك كله حديثا واحدا «١» .

وذكر ابن إسحاق «٢» أنه لما كان من اجتماع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر ما تقدم الحديث به، سار إليهم ذو نواس بجنوده، فدعاهم إلى اليهودية، وخيرهم بينها وبين القتل، فاختاروا القتل، فخد لهم الأخدود، فحرق بالنار، وقتل بالسيف، ومثل بهم، حتى قتل منهم قريبا من عشرين ألفا.

ففى ذى نواس وجنده ذلك أنزل الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ إلى آخر الآيات «٣» .

والأخدود هنا هو الحفر المستطيل فى الأرض، كالخندق والجدول، ويقال أيضا لأثر السيف والسوط والسكين ونحوه فى الجلد: أخدود.


(١) انظر: غوامض الأسماء المبهمة لابن بشكوال (٨/ ٥٣٤، ٥٣٥) . وانظر الحديث فى: مسند الإمام أحمد (٦/ ١٧) ، الدر المنثور للسيوطى (٦/ ٣٣٤) .
(٢) انظر: السيرة (١/ ٤٨) .
(٣) ذكره ابن كثير فى تفسيره (٨/ ٣٩٠) ، والطبرى فى التاريخ (١/ ٤٣٦) .