للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على مصافهم قال وهرز: أرونى ملكهم. قالوا له: أترى رجلا على الفيل عاقدا تاجه على رأسه، بين عينيه ياقوتة حمراء؟. قال: نعم. قالوا: ذلك ملكهم. قال: اتركوه.

فوقفوا طويلا ثم قال: علام هو؟ قالوا: قد تحول على الفرس. قال: اتركوه. فوقفوا طويلا. ثم قال: علام هو؟ قالوا: على البغلة. قال وهرز: بنت الحمار! ذل وذل ملكه، إنى سأرميه، فإن رأيتم أصحابه لم يتحركوا فاثبتوا حتى أوذنكم، فإنى قد أخطأت الرجل، وإن رأيتم القوم قد استداروا ولاثوا به فقد أصبت الرجل، فاحملوا عليهم.

ثم أوتر قوسه، وكانت فيما يزعمون، لا يوترها غيره من شدتها، وأمر بحاجبيه فعصبا له، ثم رمى فصك الياقوتة التى بين عينيه فتغلغلت النشابة فى رأسه حتى خرجت من قفاه؟ ونكس عن دابته، واستدارت الحبشة ولاثت به، وحملت عليهم الفرس وانهزموا فقتلوا وهربوا فى كل وجه.

وأقبل وهرز ليدخل صنعاء، حتى إذا أتى بابها قال: لا تدخل رايتى منكسة أبدا، اهدموا الباب. فهدم، ثم دخلها ناصبا رايته. وقال فى ذلك أبو الصلت بن أبى ربيعة الثقفى، وتروى لابنه أمية بن أبى الصلت:

ليطلب الوتر أمثال ابن ذى يزن ... مذيم فى البحر للأعداء أحوالا

يهم قيصر لما حاز رحلته ... فلم يجد عنده بعض الذى سالا

حتى أتى ببنى الأحرار يحملهم ... إنك عمرى لقد أسرعت قلقالا «١»

لله درهم من عصبة خرجوا ... ما إن أرى لهم فى الناس أمثالا

بيضا مرازبة غلبا أساورة ... أسدا تربب فى الغيضات أشبالا

أرسلت أسدا على سود الكلاب فقد ... أضحى شريدهم فى الأرض فلالا «٢»

فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا ... فى رأس غمدان دارا منك محلالا «٣»

واشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم ... وأسبل اليوم فى برديك إسبالا»


(١) بنو الأحرار: أراد بهم الفرس، والقلقال: التحرك بسرعة.
(٢) الفلال: جمع فل وهم القوم المنهزمون.
(٣) رأس غمدان: قال ياقوت فى معجم البلدان (٤/ ٢١٠) : قيل إنه قصر بناه يشرح بن يحصب على أربعة أوجه وبنى فى داخله قصرا على سبعة سقوف، وقيل: إن الذى بناه سليمان بن داود عليهما السلام، وقيل: إنه بين صنعاء وطيوه وهدم غمدان فى أيام عثمان بن عفان رضى الله عنه.
(٤) شالت نعامتهم: أى هلكوا، والإسبال: إرخاء الثوب.