للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سقط حق المجنى عليه. وهذا تطبيق دقيق لنظرية مالك من أن موجب العمد هو القصاص عينًا وللمجنى عليه عند مالك إذا ذهبت الجارحة ظلمًا أن يقتص من قاطعها ظلمًا لأن حقه فى القصاص ينتقل من المقطوع ظلمًا إلى قاطعه (١) .

وأما أبو حنيفة - وهو من القائلين بأن موجب العمد هو القصاص عينًا - فيفرق بين ما إذا فات محل القصاص بآفة أو مرض أو ظلمًا، وبين فواته بحق تنفيذ عقوبة أو استيفاء قصاص، وفى الحالة الأولى لا يجب للمجنى عليه شئ، أما فى الحالة الثانية فيجب له الدية بدلاً من القصاص لأن الجانى قضى بالطرف أو الجارحة التى فاتت حقًا مستحقًا عليه فصار كأنه قائم وتعذر استيفاء القصاص لعذر الخطأ أو غيره (٢) .

وعند الشافعى وأحمد للمجنى عليه إذا ذهب محل القصاص أن يأخذ الدية أيًا كان سبب ذهاب محل القصاص؛ لأن موجب العمد أحد شيئين غير عين القصاص فإذا ذهب محل القصاص تعينت الدية موجبًا.

٣٢٩- العفو: العفو عن القصاص عند الشافعى وأحمد هو التنازل عن القصاص مجانًا أو على الدية، وهو فى الحالين إسقاط من جانب المجنى عليه لا يحتاج إلى رضاء الجانى، ويعتبر المتنازل عن القصاص مجانًا عافيًا والمتنازل عن القصاص على الدية عافيًا أيضًا؛ لأن لكليهما يسقط حقًا دون مقابل ممن أسقط له الحق، وهذا تطبيق لنظرية الشافعى وأحمد فى أن موجب العمد هو أحد شيئين: القصاص أو الدية، فمن تنازل عن القصاص مجانًا فقد تنازل عن حق له، ومن تنازل عن القصاص دون الدية فقد تنازل عن حق وتمسك بحق.

والعفو عند مالك وأبى حنيفة هو إسقاط القصاص مجانًا، أما التنازل على الدية فليس عفوًا عندهما، وإنما هو صلح لأنه يتوقف بحسب نظريتهما على رضاء الجانى بدفع الدية؛ لأنهما يريان أن الواجب هو القصاص عينًا.


(١) شرح الدردير ج٤ ص٢١٣.
(٢) بدائع الصنائع ج٧ ص٢٤٦ , ٢٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>