للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي يتمتع بها المجرمون العاديون. ثم ابتدأت القوانين الوضعية تغير نظرتها إلى الجريمة السياسية بعد الثورة الفرنسية، وبعد أن كثرت الثورات في البلاد الأوروبية، وتعددت الانقلابات في النظم السياسية، فأصبح المجرم السياسي ينظر إليه نظرة عطف وإشفاق، ووضعت للجرائم السياسية عقوبات هي في مجموعها أخف من العقوبات العادية.

وقد اختلف الشراح في المميز الذي يميز بين الجريمة العادية والجريمة السياسية، فرأى فريق أن المميز الوحيد هو غرض المجرم من الجريمة، فإن كان يرمي إلى تحقيق غرض سياسي فالجريمة سياسية وإلا فهي عادية.

وعيب هذا المذهب أنه يحكَّم الباعث على الجريمة في تحديد ماهية الجريمة، ويخوَّل للقتلة والسارقين أن يتمتعوا بميزات لا يصح أن يتمتعوا بها.

ورأى فريق آخر أن العبرة في تحديد نوع الجريمة بطبيعة الحق المعتدي عليه بصرف النظر عن الدوافع إلى الجريمة. فلا تعتبر جريمة سياسية طبقاً لهذا الرأي إلا الجريمة التي تمس كيان الدولة أو نظامها.

وعيب هذا الرأي أنه يجعل بعض الجرائم التي لا شك في أنها سياسية جرائم عادية، كالجرائم التي ترتبط بأعمال الثورة أو الحرب الأهلية.

وقد رأى فريق من الشراح أن يفرقوا بين الجرائم التي ترتكب في حالة ثورة أو حرب أهلية، والجرائم التي ترتكب في الأحوال العادية، واعتبروا الجرائم التي تقع في الأحوال العادية جرائم عادية ولو كانت الدوافع فيها سياسية، أما الجرائم التي تقع أثناء الثورة أو الحرب الأهلية فهي جرائم سياسية إذا كان للجريمة علاقة بالثورة أو الحرب الأهلية، وكانت من الأفعال التي تبيحها الحرب النظامية، وإلا فهي جريمة عادية. وهذا الرأي هو الذي أقره معهد القانون الدولي.

والاتجاه الحديث في القوانين الوضعية يعتبر الجرائم الموجهة ضد النظام الاجتماعي كجرائم الشيوعية والفوضوية جرائم عادية، كما يعتبر كل الجرائم الماسة باستقلال الدولة جرائم عادية؛ لأنها تمس الوطن ولا تمس نظام الحكم

<<  <  ج: ص:  >  >>