للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به، فإن عجز عن إثباته أو امتنع وجبت عليه العقوبة، أما من سب إنسانًا أو شتمه فعليه العقوبة وليس له الحق فى إثبات صحة ما قال؛ لأن ما قاله ظاهر الكذب ولا يمكن إثباته بطبيعة الحال، أما من رمى شخصًا بما ليس معصية فلا يعفيه صحة القذف من العقاب لأنه بالرغم من صحة قوله قد آذى المقذوف والإيذاء محرم فى الشريعة، ولأن ما قذف به لا تحرمه الشريعة ولا تؤاخذ عليه فلا يصح أن يعزز به.

٥٥٩ - بين الشريعة والقانون: يختلف قانون العقوبات المصرى عن الشريعة من هذه الوجهة كل الاختلاف، فالقاعدة فيه أن ليس لمن قذف إنسانًا بشىء أن يثبت صحة ما قذفه به وعليه العقوبة ولو كان الظاهر أن ما قاله صدق لا شك فيه، والأساس الذى يقوم عليه القانون المصرى هو حماية حياة الأفراد الخاصة وهو نفس الأساس الذى تقوم عليه القوانين الأوروبية؛ لأن مصدرها جميعًا واحد هو القانون الرومانى، فالقانون الوضعى يقوم فى جرائم القول على قاعدة النفاق والرياء ويعاقب الصادق والكاذب على السواء، والمبدأ الأساسى فى هذا القانون أنه لا يجوز أن يقذف امرؤ آخر أو يسبه أو يعيبه فإن فعل عوقب سواء كان صادقًاَ فيما قال أو مختلقًا لما قال.

وإذا كان هذا المبدأ يحمى البرآء من ألسنة الكاذبين الملفقين فإنه يحمى الملوثين والمجرمين والفاسقين من ألسنة الصادقين، وإذا كان هذا المبدأ قد عنى بحماية حياة الأفراد الخاصة فإنه قد أدى إلى إفساد الأفراد والجماعة على السواء؛ لأن القانون حين يعاقب على الصدق لا يمنع الصادق من قول الحق فقط وإنما يدفعه إلى الكذب ويشجعه على النفاق والرياء، كما أن القانون لا يصلح الفرد المعوج السيرة بحمايته وإنما يشجعه بهذه الحماية على الإمعان فى الفساد بل إنه ليغرى كثيرًا من الصالحين بسلوك طريق الفساد ما دام أنهم قد أمنوا من التشنيع والانتقاد، وهكذا تفسد الجماعة وتهدر الأخلاق الفاضلة لأن القانون يحمى من لا يستحق الحماية على الإطلاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>