عاطلًا من عضوية الهيئات على الإطلاق له الحق فى أن ينسب ما يشاء إلى من شاء ما دام يستطيع أن يثبت ما ينسبه إلى هؤلاء، فليس فى الشريعة - كما فى القانون - ما يدعو إلى تحليل الصدق فى وقت الانتخابات وتحريمه فى غير ذلك من الأوقات؛ لأن الشريعة توجب الصدق على الدوام ولا تحرمه فى أى ظرف من الظروف أو زمن من الأزمان.
وليس فى الشريعة - كما فى القانون - ما يدعو إلى تحليل الصدق والكذب معًا لأعضاء البرلمان والمتقاضين؛ لأن ذلك يجعل الصدق والكذب بمنزلة سواء، والشريعة توجب الصدق كل الوجوب وتحرم الكذب كل التحريم فلا تجمع فى حكم واحد بين المتناقضين، ولأن أعضاء البرلمان هم أهل الرأى والشورى فإذا أُحل لهم الكذب وأمنوا العقوبة عليه كانوا أقرب إلى مظنة الوقوع فيه، وما قيمة الرأى والمشورة من قوم يظن فيهم أنهم لا يصدقون فى كل الأحوال ولأن الشريعة الإسلامية تقوم على المساواة، وفى تميز أعضاء البرلمان والمتقاضين خروج على مبدأ المساواة.
هذه هى الشريعة الإسلامية تقوم على حماية الحياة العامة من الغش والرياء وحماية الأفراد من مسايرة الأهواء، وترى الصدق فضيلة تستحق التشجيع لا العقاب، وترى أن الفرد الفاسد أحق بأن يتحمل وزر عمله وأن لا يتضرر من نتائجه، ومن ثَمَّ أباحت إثبات القذف، فإن استطاع القاذف إثبات ما قال فلا عقاب عليه، وليس للمقذوف أن يتضرر من القذف لأنه نتيجة عمله هو لا عمل القاذف، فإن عجز القاذف عن الإثبات فهو ظالم يستحق العقوبة، ويجب أن نلاحظ أن فى إيقاع العقوبة على القاذف بعد إباحة إثبات القذف له وعجزه عن الإثبات دليلًا قاطعًا على عدم صحة القذف، أما إيقاع العقوبة على القاذف مع منعه من إثبات القذف كما هو الحال فى القانون فإنه لا يبرئ مما يقذف به , ولا يقطع بكذب القاذف. ومن هذا يتبين أن نظرية الشريعة أكرم وأفضل للمجنى عليه والجانى من نظرية القانون الوضعى.