الكثيرين منهم يرون بحق أن كل ما يمس حق الجماعة الخالص أو حق الأفراد الخالص يعتبر حقًا لله تعالى لأن كل حكم شرعى إنما شرع ليمتثل ويتبع، ومن حق الله على عباده
أن يمتثلوا أوامره ويجتنبوا نواهيه ويعملوا بشريعته، فكل حكم إذن فيه حق لله من هذه الوجهة، وإذا قيل إن حكمًا ما يرتب حقًا مجردًا للفرد فإن هذا القول لا يعتبر صحيحًا على إطلاقه وإنما يصح إذا غلبنا حق العبيد فى الأمور الدنيوية، كذلك فإن ما يعتبر حقًا خالصًا لله يمس دون شك مصالح الأفراد لأن الشريعة إنما وضعت لتحقيق مصالح الأفراد. وقد ينشأ الحقان معًا عن الجريمة الواحدة كما هو الحال فى جريمة السرقة، فإنه ينشأ عنها حق لله تعالى؛ أى حق للجماعة فى عقاب الجانى، وحق للمجنى عليه فى استرداد ماله المسروق أو أخذ مقابله.
وقد ينشأ عن الجريمة حق واحد فقط كما هو الحال فى جريمة الردة فإنه لا ينشأ عنها إلا حق واحد هو حق الجماعة فى عقاب الجانى. والأصل فى الشريعة أن فرض العقوبة واستيفاءها حق لله تعالى ولكن استيفاء بعض العقوبات جعلت استثناءً حقًا للأفراد وهى عقوبات جرائم الاعتداء على حياتهم
وأجسامهم أى القتل والجرح والضرب، فقد جعلت الشريعة استيفاء عقوبة القصاص وعقوبة الدية حقًا للأفراد ولهم أن يتمسكوا بها أو يتنازلوا عنها، فإذا تنازلوا عنها كان للجماعة أن تعاقب الجانى بالعقوبة الملائمة لظروف الجريمة والمجرم، وعلى هذا فإن جعل استيفاء بعض العقوبات من حق الأفراد لا يسلب الجماعة حقها فى فرض عقوبات أخرى على هذه الجرائم ولا يمنع من تنفيذ هذه العقوبات الأخرى.
ومن المتفق عليه أن جريمة القذف فيها حقان: حق لله تعالى وحق للمقذوف ولكن الفقهاء يختلفون على أى الحقين هو الأقوى، فأبو حنيفة يغلب حق الله على حق العبد ويجعل الجريمة متعلقة بحق الله تعالى، وبعض الحنفية يرى أن