للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا غلا واشتد وقذف بالزبد على رأى أبى حنيفة أو إذا غلا واشتد ولو لم يقذف بالزبد على رأى أبى يوسف ومحمد، ويستوى أن يكون البلح رطبًا أو بُسْرًا أو تمرًا. وما عدا هذه الأنواع الثلاثة لا يعتبر خمرًا عند أبى حنيفة، فعصير العنب إذا طبخ فذهب ثلثاه، ونقيع البلح والزبيب إذا طبخ وإن لم يذهب ثلثاه، ونبيذ الحنطة والذرة والشعير وغير ذلك من المواد نقيعًا كان أو مطبوخًا؛ كل ذلك لا يعتبر خمرًا وشربه حلال إلا ما بلغ السكر، فإن أسكر فلا يعاقب على شربه وإنما يعاقب على السكر منه. وحجة أبى حنيفة فى هذا الرأى ما روى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه أشار إلى النخلة والكرمة وقال: "الخمر من هاتين الشجرتين"، وما روى عنه من قوله: "حرمت الخمرة لعينها، والمسكر من كل شراب" (١) .

فأبو حنيفة إذن يفرق بين الخمر والمسكر ويحرم شرب الخمر قليلًا كان أو كثيرًا أما ما عدا الخمر من المواد المسكرة فيسميه مسكرًا لا خمرًا، والمسكر عنده لا يعاقب على شربه كالخمر وإنما يعاقب على السُّكر منه؛ لأن المسكر ليس حرامًا فى ذاته وإنما الحرام هو الكمية الأخيرة منه التى تؤدى للسكر، فلو شرب شخص ثلاثة أقداح ولم يسكر ثم شرب الرابع فسكر فالمحرم هو القدح الرابع.

ولقد أدت التفرقة بين الخمر والمسكر إلى أن يفرق أبو حنيفة بين عقوبة الشرب وعقوبة السكر، وأن يقول بأن الحد حدان: حد الشرب وهو قاصر على شرب الخمر سواء سكر الشارب أم لم يسكر، قلَّ ما شربه أو كَثُر. وحد السكر فلا عقاب عليه. أما باقى الأئمة فلحد عندهم واحد هو حد الشرب. ويجب على كل من شرب مسكرًا سواء سمى خمرًا أو سمى باسم آخر، وسواء سكر الشارب أم لم يسكر ما دام أن الكثير من الشراب يسكر؛ لأن القاعدة عندهم أن ما أسكر كثيره فقليلة حرام.

ورأى الأئمة الثلاثة هو الرأى المتبع فى العالم الإسلامى، إلا أننا رأينا أن


(١) بدائع الصنائع ج٥ ص١١٢ وما بعدها، المغنى ج١٠ ص٣٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>