للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حدى القذف والسرقة ففيهما اختلاف, فالبعض لا يرون للإمام أن يسقطهما أو يؤخرهما والبعض يرى ذلك, وحجتهم فى هذا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين تمكن من بنى قينقاع وأراد قتلهم وكانوا حلفاء لعبد الله بن أُبى كبير المنافقين فى حال الجاهلية فطلب من النبى تركهم فكره ذلك ثم إنه تشفع إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - وأكثر فى تركهم فتركهم له لما رأى فى ذلك من الصلاح. وهم مختلفون فيما إذا كان للإمام حق إسقاط القصاص عن بعض الناس أو تأخيره باعتبار أنه حق آدمي, فيرى البعض جواز الإسقاط لمصلحة عامة, ويرى البعض أن الإسقاط لا يجوز لأن منع القصاص هو منع لحق آدمى وظلم, والخلاف بين الفريقين أساسه الخلاف فى أى مصلحتين تغلب عند التعارض, المصلحة العامة أم المصلحة الخاصة (١) .

ويترتب عليه أنه يترتب على عدم جواز العفو عن الحد أو إسقاطه أن يكون المحارب مهددًا إذا وجب عليه القطع أو القتل, وقد فصلنا ذلك فى التشريع الجنائي (٢) , ولكن لم نبين حكم الإهدار عند الظاهريين والشيعة الزيدية, فنقول: إن الظاهريين يجعلون للإمام الخيار فى أى عقوبة من العقوبات الواردة فى الآية, وهذا يجعل المحارب غير مهدر ولو حكم عليه بعقوبة مهدرة لاحتمال أن يستبدل بها الإمام عقوبة أخرى غير مهدرة قبل التقييد.

ورأى الشيعة يجعل المحارب غير مهدر ولو حكم عليه بعقوبة مهدرة لأن للإمام إسقاط العقوبة لمصلحة عامة.

وعلى هذا إذا عدا شخص على المحارب أخذ المال أو قتل فقطع يده أو قتله فلا قصاص على العادى عند مالك وأبى حنيفة والشافعى وأحمد سواء, كان ذلك قبل الحكم أو بعده ما دامت جريمة الحرابة ثابتة, وإنما يعزر العادى لافتياته على السلطات العامة القائمة على تنفيذ العقوبات, والعلة فى عدم القصاص هى أن قطع


(١) شرح الأزهار ج٤ ص٣٣٤, ٣٣٥.
(٢) جزء أول فيراجع ذلك هناك.

<<  <  ج: ص:  >  >>