للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه ويضمنون مدنيًا ما يضمنونه. وإذا استعان البغاة المعاندون بذميين اعتبر الذميون ناقضين لعهدهم وحلت دمائهم وأموالهم كالحربيين سواء بسواء.

ويعتبر مالك هذه الحالة بأن يكون المعاند خارجًا على الإمام العدل, فإن كان الخروج على غيره فلا يعتبر الخارج معاندًا ولو كان غير متأول والذمى معه لا يعتبر ناقضًا (١) .

ويرى أبو حنيفة أنه لو استعان أهل البغى بأهل الذمة فقاتلوا معهم لم يكن ذلك منهم نقضًا للعهد كما أن هذا الفعل من أهل البغى ليس نقضًا للإيمان, فالذين انضموا إليهم من أهل الذمة لم يخرجوا من أن يكونوا ملتزمين حكم الإسلام فى المعاملات وأن يكونوا من أهل الدار فحكمهم حكم البغاة مسئوليتهم جميعًا واحدة من الناحيتين الجنائية والمدنية (٢) .

وفى مذهب الشافعى وأحمد رأيان: أولهما: أن إعانة الذميين بالبغاة تنقض عهدهم كما لو انفردوا بقتال المسلمين, والثانى: أن عهدهم لا ينتقض لأن أهل الذمة لا يعرفون الحق من الباطل فيكون ذلك شبهة لهم. ويترتب على القول بنقض العهد أن الذميين يصبحون كأهل الحرب, ويترتب على القول بعدم النقض أن يكون حكمهم حكم أهل البغى فى قتل قتيلهم والكف عن مدبرهم وأسيرهم وجريحهم, إلا أن أصحاب هذا الرأى يرون تضمين الذميين ضمانًا تاماُ فيسألون عن جرائمهم حال القتال وغيره, فإن قتلوا أو جرحوا أو أتلفوا سئلوا جنائيًا عن كل ذلك وعليهم ضمان المال المتلف ورد القائم سواء أتلف فى حال الحرب واقتضت ضرورة الحرب إتلافه أم لا. ويعللون التفرقة بين البغاة والذميين بأن البغاة لهم تأويل سائغ والذميين لا تأويل لهم, ولأن إسقاط المسئولية عن المسلمين قصد منه عدم تنفيرهم عن الرجوع إلى الطاعة ولا يخشى تنفير الذميين عن الطاعة لأن تأمينهم مشروط بالطاعة. والقائلون بنقض العهد يرون أن إكراه البغاة الذميين على معاونتهم يمنع من نقض العهد, وأن اعتقاد الذميين بأنهم ملزمون


(١) شرح الزرقانى ج٨ ص٦٢.
(٢) شرح فتح القدير ج٤ ص٤١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>