وقد انتقلت قاعدة "لا جريمة ولا عقوبة بلا نص" من القانون الفرنسي إلى القوانين الوضعية الأخرى، ولكنها أخذت تتطور تحت تأثير التجربة والاختيار وحاجات الجماعة؛ فأعطى القضاة حق إيقاف تنفيذ العقوبة، وأعطت السلطة التنفيذية الحق في العفو عن العقوبة أو تخفيضها، وحق الإفراج تحت شرط، واستحدث نظام العقوبة غير المحدودة.
ومع أن القاعدة تطورت هذا التطور الكبير فإن شراح القانون الوضعي يرون أن القاعدة ظلت محترمة، وأن هذا التوسع لا يخل بشرعية العقوبة ما دام أن هذا التوسع جاء طبقاً لنصوص القانون، وما دام أن القضاة يستعملون سلطة خولهم الشارع إياهم مقدماً.
ولقد كان التساهل في تطبيق القاعدة من ناحية العقوبة، وبقيت القاعدة سليمة محترمة زمناً طويلاً فيما يختص بتعيين الجريمة، حتى إذا جاء القرن العشرون أخذت القاعدة كلها تصبح محلاً للانتقاد وهاجمها الكثيرون من الشراح بحجة أنها لا تصلح لمواجهة الضرورات الاجتماعية، وأنها تؤدي إلى ضياع مصلحة الجماعة، ذلك أن نصوص القوانين الجنائية تقصر دائماً عن تناول كل ما يخل بنظام الجماعة وصوالحها، وأن المجرمين يتفننون في الهرب من الوقوع تحت سلطان النصوص ثم يعبثون ما شاءوا بمصالح الأفراد والجماعة ونظامها، وهم آمنون من العقاب، فإذا استصدرت قوانين لتحريم الأفعال الجديدة التي أدى ارتكابها للعبث بالمصلحة العامة، عاد المجرمون يعملون على التهرب من نصوصها القاصرة، وعادوا إلى جرائمهم آمنين من العقاب.
وقد كان لهذا الانتقاد أثره العلمي فبدأت بعض الدول الكبرى تخرج على
(١) شرح قانون العقوبات للدكتورين كامل مرسي والسعيد مصطفى ص١٠٢، القانون الجنائي لعلي بدوي ص١٠٢ وما بعدها.