والشرب، ومثل هذه الأفعال لا تعتبر تشريعاً؛ لأنها صدرت عن الرسول بمقتضى بشريته وليست جزءاً من رسالته.
وبعض الأفعال صدر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودل الدليل أنها من خصائصه لا يشاركه فيها أحد، كالزواج بأكثر من أربعة، ودخول مكة بغير إحرام، والوصال في الصوم، وهذه أيضاً لا تعتبر تشريعاً؛ لأنها خاصة بالرسول فلا يشاركه فيها غيره.
وبعض الأفعال صدر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأساسه خبرته الخاصة بالشئون الدنيوية، كالاتجار والزراعة وتنظيم الجيش، وهذه الأفعال وأمثالها ليست تشريعاً أيضاً؛ لأن مبناها الخبرة الشخصية، والرسول نفسه كان لا يعتبر هذه الأفعال تشريعاً، فقد أشار على بعض الصحابى بتأبير النخل على وجه خاص فلم يصلح النخل به، فعدل عن رأيه وقال:"أنتم أعلم بأمور دنياكم"، وفي موقعة بدر أراد أن ينزل بالجيش في مكان معين، فقال له أحد أصحابه: أهذا منزل أنزلكه الله، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال:"بل هو الرأي والحرب والمكيدة" فأشار الصحابي بإنزال الجنود في مكان آخر لأسباب بينها فأخذ الرسول بمشورته.
أما الأقوال والأفعال التي صدرت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقصد البيان والتعليم والإرشاد فهي تشريع ملزم، ومثل ذلك قوله:"صلوا كما رأيتموني أصلي"، وقوله:"خذوا عني مناسككم"، وقطعه يد السارق اليمنى من الكوع بياناً لقوله تعالى:{فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} ، وكأمره بدفن المرجوم والصلاة عليه حينما سئل عن ماعز فقال:"افعلوا به كما تفعلون بموتاكم"، وكاختياره سوطاً لا هو بالشديد ولا هو باللين حينما أراد إقامة الحد، ومثل ذلك أيضاً ما روي عنه من أن أم سلمة سألته عن قبلة الصائم، فقال لها:"لم لم تقولي لهم إني أقبل وأنا صائم؟ "، ولما سألته عن بل الشعر في الاغتسال قال:"أما أنا فيكفيني أن أحثو رأسي ثلاث حثيات من الماء". ولقد اختلف الصحابة في الغسل من غير إنزال فأنفذ عمر إلى عائشة