أن يكون ما جاز على بعضها وثبت له قد جاز باعتبار خصوصيته وتعيينه لا باعتباره حكماً شرعياً مجرداً، وعند هؤلاء أن القياس في كل الأحكام ممتنع لسببين:
أولهما: أنه يفضي إلى أمر ممتنع فكان ممتنعاً؛ لأن كل قياس لابد له من أصل يستند إليه، فلو كان كل حكم يثبت بالقياس لكان حكم أصل القياس ثابتاً بالقياس، وكذلك حكم أصل أصله، وإذا تسلسل الأمر إلى غير نهاية امتنع وجود قياس ما؛ لتوقفه على أصول لا نهاية لها.
وثانيهما: أن من الأحكام ما يثبت غير معقول المعنى؛ كتحديد جلد الزاني غير المحصن بمائة جلدة، وقاذف المحصنات بثمانين، وما كان كذلك فإجراء القياس فيه متعذر؛ لأن القياس يقوم على تعدية علة الأصل للفرع، فما لا يعقل له علة يمتنع إثباته بالقياس (١) .
١٣٧ - القياس في الجرائم والعقوبات: واختلف الذين لا يجيزون القياس في كل الأحكام في جواز القياس في الجرائم والعقوبات، فقال بعضهم: إنه جائز، وقال بعضهم: إنه غير جائز، ولكل حججه.
والقائلون بجواز القياس لهم حجتان:
الأولى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقر القياس حين سأل معازاً: بم تقضي؟ قال: أقضي بكتاب الله، فإن لم أجد فبسنة رسول الله، فإن لم أجد أجتهد رأيي، فأقره الرسول على قوله: أجتهد رأيي، وهو تعبير مطلق لا تفصيل فيه، فدل ذلك على جواز القياس في الجرائم والعقوبات.
الثانية: أن الصحابي لما اشتوروا في حد شارب الخمر قال علي رضي الله عنه: إنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فحدوه حد المفترى.
(١) الإحكام في أصل الأحكام للآمدي ج٤ ص٨٩ وما بعدها.