إلا الشريعة الإسلامية التي علمتهم وأدبتهم، ورققت نفوسهم، وهذبت مشاعرهم، وأشعرتهم العزة والكرامة، وأخذتهم بالمساواة التامة، والعدالة المطلقة، وأوجبت عليهم أن يتعاونوا على البر والتقوى، وحرمت عليهم الإثم والعدوان، وحررت عقولهم ونفوسهم من نير الجهالات والشهوات، وجعلتهم يعتقدون أنهم خير أمة أخرجت للناس؛ يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله.
كان ذلك حال المسلمين طالما تمسكوا بشريعتهم، فلما تركوها وأهملوا أحكامها تركهم الرقي وأخطأهم التقدم، ورجعوا القهقري إلى الظلمات التي كانوا يعمهون فيها من قبل، فعادوا مستضعفين مستبعدين لا يستطيعون دفع معتد ولا الامتناع من ظالم.
وقد خيل للمسلمين وهم في غمرتهم هذه أن تقدم الأوروبيين راجع لقوانينهم وأنظمتهم، فذهبوا ينقلونها وينسجون على منوالها، فلم تزدهم إلا ضلالاً على ضلالهم، وخبالاً على خبالهم، وضعفاً على ضعفهم، بل جعلتهم أحزاباً وشيعاً كل حزب بما لديهم فرحون، بأسهم بينهم شديد، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى.
ولو أراد الله بالمسلمين خيراً لعلموا أن الشريعة الإسلامية - وقد جاءت كاملة لا يشوبها نقص، حاملة في طياتها وسائل التقدم والتطور المستمر للمجتمع - هي أصلح الشرائع لعصور التقدم وعصور التأخر على السواء، لأنها في كل الأحوال ترمي إلى تكون الجماعة الصالحة وتوجيهها دائماً للتقدم المستمر والتطور الصالح، ولا تقنع من ذلك بما هو دون الكمال التام.
وإن في تاريخ المسلمين لآية، وإنه لعبرة لمن كان له قلب، وإن فيه الدليل الحاسم على أن الشريعة الإسلامية هي التي خلقت المسلمين من العدم، وجعلتهم أمة فوق الأمم، ودفعتهم إلى الأمام، وسلطتهم على دول العالم، وإن فيه الدليل الحاسم على أن حياة المسلمين وتقدمهم ورقيهم متوقف على تطبيق الشريعة