تؤثر على بطلان الموضوع؛ لأن صحة الشكل لا تحيل الحرام حلالاً والباطل صحيحاً، ومن ثم يجب على القاضي أن لا يطبق التشريعات المخالفة للشريعة ولو استوفت شكلها القانوني.
١٩٤ - مدى بطلان ما يخالف الشريعة: قلنا: إن ما يخالف الشريعة من قانون أو لائحة أو قرار باطل بطلاناً مطلقاً، لكن هذا البطلان لا ينصب على كل نصوص القانون أو اللائحة أو القرار، إنما ينصب فقط على النصوص المخالفة للشريعة دون غيرها؛ لأن أساس البطلان هو مخالفة الشريعة، فلا يمتد البطلان منطقياً لما يوافق الشريعة من النصوص، ولو أنها أدمجت في فانون واحد أو لائحة واحدة أو قرار واحد مع غيرها من النصوص المخالفة للشريعة. وتعتبر النصوص الموافقة للشريعة صحيحة ما دامت قد صدرت من هيئة تشريعية مختصة، واستوفت الإجراءات الشكلية المقررة.
وإذا كان البطلان قاصراً على النصوص المخالفة للشريعة فإن هذه النصوص لا تعتبر باطلة في كل حالة، وإنما هي باطلة فقط في الحالات التي تخالف فيها الشريعة، صحيحة في الحالات التي تتفق فيها مع الشريعة، وليس هذا بمستغرب ما دام أساس الصحة والبطلان راجع إلى موافقة الشريعة أو مخالفتها، إذ العلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً.
ومن الأمثلة على بطلان النص الواحد في بعض الحالات وصحته في بعض الحالات الأخرى جريمة الزنا، فعقوبتها في الشريعة رجم الزاني المحصن، وجلد الزاني غير المحصن، والزنا شرعاً هو إدخال الحشفة أو مقدارها في الفرج، فما كان دون ذلك فلا حد فيه، وإنما فيه التعزير؛ فالشروع في الزنا ومقدمات الزنا من قبلة وعناق وملامسة كل ذلك لا يعاقب عليه بعقوبة الحد: وهي الرجم والجلد، والفعل التام لا يعاقب عليه في بعض الحالات بعقوبة الحد إذا درء الحد للشبهة، أو كان الجاني صغير السن، وعلى هذا فالجرائم التامة التي يجب فيها الحد لا يجوز