للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت الظروف تدعو للتخفيف. وهذا الخلاف الظاهر بين الشريعة والقانون المصري يقضي الأخذ بنصوص الشريعة دائماً في الحالات التي توجب فيها الشريعة القصاص، فيحكم القاضي بالقصاص في كل هذه الحالات، ويمتنع عليه أن يحكم بعقوبة أخرى.

ويجيز الشريعة لولي المجني عليه أن يعفو عن القصاص، فإذا عفا سقطت عقوبة القصاص، ولولي الدم إما العفو مجاناً، وإما على الدية أو مقابلها، فإذا عفا على الدية وجبت الدية على الجاني، وكان على القاضي أن يحكم بها، ويجب في حالة العفو على الدية والعفو مجاناً أن يحكم على الجاني بعقوبة تعزيرية، طبقاً لرأي مالك (١) أما أبو حنيفة (٢) والشافعي (٣) وأحمد (٤) فلا يوجبون التعزير في حالة العفو ولكن ليس لديهم ما يمنع من التعزير إن اقتضته المصلحة العامة. والقانون المصري لا يجعل لعفو أولياء المجني عليه أثراً على العقوبة المقررة، ولكن العفو يمكن اعتباره ظرفاً قضائياً مخففاً يؤدي إلى تخفيف العقوبة، أو استبدال غيرها بها، طبقاً للمادة ١٧ من قانون العقوبات المصري، وهذا الذي أخذ به القانون المصري يتفق مع مذهب الإمام مالك حيث يرى عند العفو أن تستبدل بعقوبة القصاص عقوبة التعزير.

فكأن المشرع المصري قد أخذ بمذهب مالك في هذه المسألة، وعلى هذا يجب في حالة العفو على الدية الحكم بها وبعقوبة تعزيرية، وفي حالة العفو مجاناً يجب الحكم بعقوبة تعزيرية، ولما كانت العقوبات المقررة في قانون العقوبات هي عقوبات تعزيرية، فيجب الحكم بالعقوبات المقررة فيه للقتل في حالة العفو إلا عقوبة الإعدام؛ لأن الإعدام هو عقوبة القصاص وهي تسقط بالعفو طبقاً للشريعة، وللقاضي في هذه الحالات أن يراعى الظروف المخففة


(١) مواهب الجليل ج٦ ص٢٦٨.
(٢) بدائع الصنائع ج٧ ص٢٤٦
(٣) المهذب ج٢ ص٢١ وما بعدها
(٤) المغني ج٩ ص٤٦٧

<<  <  ج: ص:  >  >>