للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأياً كان مقداره، أما القانون فلا يحرم الربا إلا في صور خاصة وبشروط معينة، وكتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير، فالشريعة تحرم تناول هذه الأشياء وتعاقب على تناولها، والقانون لا يحرمها ولا يعاقب عليها.

وبالإجمال فإن الشارع أهمل النصوص الشرعية ولم يقم على تنفيذها، واكتفى بإقامة ما نص عليه في قانون العقوبات وما ألحق به من قوانين ولوائح.

هذا هو الذي فعله الشارع في مصر، وقد فعل مثله في غير مصر من البلاد الإسلامية، فهل في قواعد الشريعة ما يبرر فعل الشارع، وإلى أي حد يمكن أن يوصف عمله بالصحة أو البطلان؟ وسنستطيع الإجابة على هذا السؤال إذا عرفنا حقوق ولي الأمر في الشريعة، ومدى هذه الحقوق. ومن المسلم به في الشريعة أن لولي الأمر في تعيين الجرائم والعقاب ثلاثة حقوق:

٢٠١ - الحق الأول: حق التحريم والإيجاب والعقاب: لولي الأمر أن يحرم إتيان أفعال معينة أو يوجب إتيان أفعال معينة، وأن يعاقب على مخالفة الأمر الذي حرم الفعل أو أوجبه. وإذا كان لولي الأمر حق العقاب فله أن يعاقب على الجريمة بعقوبة واحدة أو بأكثر، وأن يحدد مبدأ العقوبة ونهايتها.

وولي الأمر مقيد في استعمال هذا الحق بعدم الخروج على نصوص الشريعة، أو مبادئها العامة، أو روحها التشريعية، وبأن يكون قصده في التحريم والإيجاب والعقاب تحقيق مصلحة عامة، أو دفع مضرة أو مفسدة.

وعلى هذا فعمل ولي الأمر صحيح كلما كان في حدود حقه، فإن خرج عن هذه الحدود فهو باطل فيما خرج فيه عن حدود حقه وصحيح فيما عدا ذلك. فليس لولي الأمر أن يهمل نصوص الشريعة، أو أن يمنع تطبيقها، فإن فعل فعمله باطل. وإذن فالجرائم التي نصت عليها الشريعة ولم تنص عليها القوانين يجب العقاب عليها كلما ارتكبت؛ لأن النصوص التي حرمتها لم تنسخ وليس لولي الأمر حق نسخها، والجرائم التي نصت عليها الشريعة والقوانين يؤخذ فيها دائماً بحكم الشريعة كلما اختلفت مع القانون؛ لأن كل نص

<<  <  ج: ص:  >  >>