للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما كان على أهلي إلا معي". فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من الخزرج أمرتنا فأطعنا أمرك. فقام سعد ابن عبادة فقال - وهو سيد الخزرج، وكان رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية -: أي سعد بن معاذ، لعمر الله لا تقتله، ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير وهو ابن عمة سعد بن معاذ وقال لسعد بن عبادة: لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين؛ فتأثر الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله يخفضهم حتى سكتوا (١) .

فهذا الحادث الذي أهم المسلمين، وكاد يوقع الفتنة بينهم، والذي أنزل الله فيه قرآناً، هو حادث هام يمس أمن الجماعة ونظامها، وهو أحق ما يجعل للنصوص فيه أثر رجعي؛ لأن العقوبة في مثل هذا الحادث تدعو إلى تهدئة النفوس الثائرة ومحو ما خلفته الجريمة من آثار.

وقد اختلفوا أيضاً في أسباب نزول آية الحرابة، والذي عليه الجمهور أنها نزلت في العرنيين، وهم قوم من عرينة، قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجتووا المدينة، فأمر لهم الرسول بلقاح، وأمرهم أن يشربوا ألبانها وأبوالها، فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا الراعي واستاقوا النعم، فأرسل الرسول في أثرهم فجئ بهم، فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك قوله: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: ٣٣] . وقيل أن الآية نزلت على قوم من أهل الكتاب بينهم وبين الرسول عهد فنقضوا العهد، وقطعوا السبيل وأفسدوا في الأرض. وروى


(١) تفسير الطبري ج١٨ ص٥٣، تفسير الألوسي ج١٨ ص٧٩، تفسير الشهاب على البيضاوي ج٦ ص١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>