الشريعة أنه إذا تأثرت عقوبة أحد الشركاء لصفة في الفعل، أو لصفة في التفاعل، أو لقصد الفاعل، فإن عقوبة الشريك الآخر الذي لم تتوفر له هذه الصفات لا تتأثر بفعل غيره أو صفته أو قصده. فإذا جرح شخصاً آخر دفاعاً عن نفسه وتعمد ثان جرحه بقصد قتله، فمات من الجرحين، فإن الجاني الأول يعفي من العقاب؛ لأن وجوده في حالة دفاع شرعي أباح له الفعل، ويعاقب الثاني بعقوبة القتل العمد؛ لأن فعله عدوان متعمد، ولا يؤثر على عقوبته أنه اشترك في القتل مع من يباح له القتل؛ لأن إعفاء الأول كان لصفة في فعله لم تتوفر في فعل الثاني. وإذا اشترك مجنون مع عاقل في ارتكاب جريمة أعفى الأول من العقوبة لجنونه، وعوقب الثاني بالعقوبة المقررة للجريمة دون أن يكون للإعفاء الأول أثر على عقوبة الثاني، إذ الإعفاء أساسه معنى أو صفة توفرت في الأول ولم تتوفر في الثاني.
والأب حين يشترك مع غيره في قتل ولده لا يقتص منه، ولكن الغير يقتص منه؛ لأن أساس إعفاء الأب صفة الأبوة في الأب وهي صفة خاصة به لا تتوفر في شريكه فلا يستفيد منها الشريك. والعامد والمخطئ إذا اشتركا في جريمة قتل عوقب كل منهما على أساس قصده، فعلى العامد عقوبة العمد، وعلى المخطئ عقوبة الخطأ، ولا تتأثر عقوبة الأول بتخفيف عقوبة الثاني؛ لأن أساس التخفيف انعدام قصد الجاني وهو معنى لا يتوفر في العامد (١) .
هذه هي القاعدة الأساسية في الشريعة الإسلامية ولا خلاف عليها بين الفقهاء، وإذا كانوا قد اختلفوا عند تطبيق القاعدة على جرائم الحدود والقصاص فإن الخلاف ليس في الواقع على تطبيق هذه القاعدة، وإنما الخلاف على تطبيق قاعدة أخرى هي قاعدة درء الحدود بالشبهات، كما أن الخلاف محصور في
(١) مواهب الجليل ج٦ ص٢٤٢، الشرح الكبير للدردير ج٤ ص٢١٨، ٢١٩، بدائع الصنائع ج٧ ص٤٣٩، البحر الرائق ج٨ ص٣٠١، نهاية المحتاج ج٧ ص٢٦٢ وما بعدها، المهذب ج٢ ص٢٩٧، المغني ج٩ ص٣٧٣، ٣٧٩ وما بعدها.