للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيث الجزاء فقد رأى أبو بكر الرازي إلحاقه بالخطأ باعتباره جارياً مجراه (١) .

٢٨٦ - الشريعة والقانون: وتتفق القوانين مع الشريعة فيما ذكرنا من سبب المسئولية وشرطها، فسبب المسئولية في القانون هو ارتكاب الجرائم، وشرط المسئولية هو الإدراك والاختيار كما هو الحال في الشريعة، ولا مسئولية ما لم يكن الجاني مخطئاً؛ أي عاصياً، ودرجات المسئولية تتعدد وتتنوع بحسب تنوع الخطأ (٢) وتعدده. والخطأ في القانون على نوعين: عمد وخطأ، والخطأ على نوعين: خطأ بإهمال وخطأ بسيط، ويدخل تحت العمد ما يدخل في الشريعة تحت العمد وشبه العمد، ويدخل تحت الخطأ ما يدخل تحت الخطأ في الشريعة وما يجري مجراه.

والقوانين الوضعية وإن كانت لا تعترف بشبه العمد في القتل إلا أنها تجعل هذا النوع من القتل ضرباً مفضياً للموت، وتخفف عقوبته عن عقوبة القتل العمد، فتصل بذلك إلى الغرض الذي ترمي إليه الشريعة من التفرقة بين القتل بقصد الضرب والقتل بقصد القتل، فالخلاف إذن بين الشريعة والقانون خلاف في التسمية لا غير.

ولا شك أن تعبير الشريعة بالقتل شبه العمد أصح منطقاً من تعبير القوانين الوضعية، ذلك أن القتل شبه العمد يندرج تحته الموت الناشئ عن الضرب والجرح وإعطاء المواد السامة والضارة والتغريق والتحريق والتردية والخنق، وكل ما يدخل تحت القتل العمد إذا انعدمت نية القتل عند الجاني وتوفر قصد الاعتداء، ولفظ القتل يدخل تحته كل ما يؤدي للموت.

فاختيار الفقهاء لهذا التعبير للدلالة على هذه الأنواع المختلفة من الاعتداء والإيذاء هو اختيار موفق؛ لأنها تنتهي جميعاً بالموت، أما لفظ الضرب المفضي للموت الذي عبرت به القوانين الوضعية فإذا دخل تحته الضرب باليد أو بأداة أخرى فإنه لا يمكن أن يندرج تحته غير ذلك


(١) أحكام القرآن لأبي بكر الرازي الجصاص ج٢ ص٢٢٣.
(٢) ذكرنا فيما سبق أن الخطأ أو الخطيئة في القانون يقابل العصيان في الشريعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>