وعلة ذلك أن عقوبات الجرائم التعزيرية غير مقدرة، وللقاضي حرية واسعة فيها؛ فله أن يختار نوع العقوبة ويعين كمها، فإذا راعى القاضي البواعث فخفف العقوبة أو شددها فإنه يفعل ذلك في نطاق حقه، ولا يخرج عن حدود سلطانه. أما جرائم الحدود والقصاص فعقوبتها مقدرة أي محددة، وليس للقاضي أن ينقص منها أو يزيد فيها، ومن الواجب عليه أن يحكم بها مهما كان الباعث على الجريمة، فسواء كان الباعث شريفاً أو وضيعاً فالعقوبة لن تتغير.
وأكثر القوانين الوضعية تتفق في هذه المسألة مع الشريعة، فهي لا تخلط أيضاً بين الباعث على الجريمة والقصد الجنائي، ولا تجعل للباعث أثراً على تكوين الجريمة أو عقوبتها كقاعدة عامة، ولكن بالرغم من ذلك فإن للباعث من الوجهة العملية أثره على تقدير العقوبة، إذ للقاضي أن يقدر العقوبة الملائمة من بين الحدين الأدنى والأعلى للعقوبة، وله في كثير من الأحوال أن يختار إحدى عقوبتين، وهو يختار العقوبة ويقدر كمها طبقاً لما يرى أن الجاني يستحقه، وهو يدخل في تقديره ظروف الجريمة والمجرم، والبواعث التي دفعت لارتكاب الجريمة، فيخفف العقوبة إن رأى الجاني مستحقاً التخفيف، ويغلظها إن رآه مستحقاً التغليظ، وبهذا يكون للباعث أثره العملي على العقوبة. وهذه هي طريقة القانون الفرنسي والقانون المصري.
على أن هناك بعض القوانين كالقانون الإيطالي والبولوني (١) تجعل من الباعث ظرفاً مخففاً أو مشدداً للعقوبة، وتلزم القاضي بمراعاة هذا الباعث عند تقدير العقوبة، وهذه القوانين وإن كانت تعترف بأن للباعث أثراً قانونياً على العقوبة إلا أنها من الوجهة العملية لا تصل إلى أكثر من النتائج التي تصل إليها القوانين التي لا تعترف بالباعث من الوجهة النظرية، لأن القاضي لا يستطيع عملاً
(١) القانون الجنائي لعلي بدوي ص٣٤٠ وما بعدها، الموسوعة الجنائية ج٣ ص٦٨.