ودون أن يقصد الجاني القتل أو يخطر في باله أن فعله قد يؤدي إلى الموت، فمات المجني عليه من اللطمة، فالجاني قاتل متعمد عند مالك (١) ، وليس قاتلاً متعمداً طبقاً للنظرية الألمانية أو طبقاً للقانونين الإنجليزي والسوداني.
ولا يفوتنا أن نلاحظ أن المقاييس التي وضعتها النظرية الألمانية والقانونان الإنجليزي والسوداني هي مقاييس شخصية غير ثابتة، فالجاني طبقاً للنظرية الألمانية يجب أن يتمثل أو يتوقع النتيجة، والتمثل مسألة داخلية يصعب إثباتها إلا إذا اعترف بها الجاني، وما قد يتمثله شخص لا يتفق مع ما قد يتمثله آخر مما يصعب معه وضع قاعدة للتمثل والتوقع، والجاني طبقاً للقانونين الإنجليزي والسوداني يجب أن يعلم أو أن يكون في استطاعته أن يعلم أن الفعل قد يؤدي للموت، والعلم أيضاً مسألة داخلية، ومن الصعب إثباته إلا إذا اعترف به الجاني، وما قد يعلمه شخص أو يستطيع أن يعلمه ولا يستطيع أن يعلمه شخص آخر، ومن ثم فليس في الإمكان وضع قاعدة للعلم واستطاعة العلم.
وقد حاولت التشريعات الوضعية الحديثة أن تضع نصوصاً عامة للقصد الاحتمالي، ولكن هذه النصوص على اختلافها لا تخرج عما قال به الفقهاء الإسلاميون، فالقانون المكسيكي الصادر في سنة ١٩٣١ يجعل الجاني مسئولاً باعتباره عامداً عن كل النتائج التي لم يقصدها، إذا كانت من نتائج الفعل الضرورية أو العادية، أو كان الجاني قد توقع حدوثها، أو عزم على مخالفة القانون مهما كانت النتيجة، وهذا الذي أخذ به القانون المكسيكي إنما هو مزيج من النظريات الإسلامية. والقانون الإيطالي الصادر في سنة ١٩٣٠ يجعل الجاني مسئولاً عن النتائج التي لم يقصدها ويعاقبه بعقوبة أقل من عقوبة العامد
(١) كان القضاء الفرنسي يطبق مذهب مالك في القتل حتى سنة ١٨٣٢ حيث صدر قانون يعاقب على الضرب المؤدي للموت بعقوبة أقل من عقوبة القتل.