للبراز مبتدئاً؛ لأن ذلك تطاول وبغي في رأيه، بينما بقية الفقهاء يرون الدعوة للبراز ابتداء نوعاً من إظهار القوة وإرهاب العدو (١) .
ويجب أن نفرق في المبارزة المحرمة بين حالتين. الأولى: ما إذا أحل كل من المتبارزين زميله من دمه، وفي هذه الحالة تطبق القواعد الخاصة برضاء المجني عليه بالقتل والجرح، وقد سبق أن بينا هذه القواعد. الثانية: إذا لم يحل أحد المتبارزين الآخر من دمه، وفي هذه الحالة تطبق على القاتل أو الجارح النصوص الخاصة بالقتل والجرح، ولا يكون لاتفاق المتبارزين أثر على العقوبة الواجبة؛ لأن الاتفاق على المبارزة ليس معناه الرضاء بالقتل والجرح.
فالمبارزة في الشريعة تخضع للنصوص العامة التي تحرم القتل والجرح؛ لأن المبارزة تؤدي إلى القتل والجرح. وهناك نصوص يمكن أن يستدل بها على تحريم المبارزة، ومن ذلك ما رواه أبو بكرة حيث يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" فقلت: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال:"إنه كان حريصاً على قتل صاحبه". ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"، ولكننا لسنا في حاجة لهذه النصوص الخاصة لتحريم المبارزة؛ لأن النصوص العامة التي حرمت القتل والجرح كفيلة بهذا التحريم.
وإذا أدت المبارزة إلى قتل أحد المتبارزين أو جرحه فإن القتل والجرح ينسب لفاعله فقط ولا ينسب للمتبارزين معاً، ولا يعتبر اتفاقهما على المبارزة ونشوء القتل والجرح عن التقائهما اشتراكاً منهما في القتل أو الجرح قياساً على التصادم؛ لأن القتل أو الجرح الناشئ عن التصادم مترتب عن فعل المتصادمين معاً، وعلى القوة الناشئة من اصطدامهما، أما القتل والجرح في حالة البراز فناشئ عن فعل أحد
(١) الأحكام السلطانية ص٣١ وما بعدها، مواهب الجليل للحطاب ج٣ ص٣٥٩، أسنى المطالب ج٤ ص١٩٢، المغني ج١٠ ص٣٩٤ وما بعدها.