للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختلف الفقهاء في الهرب كوسيلة لدفع الاعتداء، فمن رأى أن الهرب يصلح وسيلة من وسائل دفع الاعتداء فقد أوجب الهرب على المصول عليه؛ لأن الهرب هو الوسيلة المناسبة لدفع الاعتداء، والمصول عليه مكلف بدفع الاعتداء بأيسر ما يمكن (١) . فمن رأى أن الهرب لا يصلح وسيلة من وسائل الدفاع فإنه لا يلزم المصول عليه بالهرب، ويجعل له أن يثبت ويدافع إذا لم يكن إلا الهرب أو الدفاع (٢) . وفرق بعض الفقهاء بين ما إذا كان الهرب مشيناً أو غير مشين، وجعلوه لازماً إذا لم يكن مشيناً وغير لازم إذا كان مشيناً (٣) .

ويشترط على كل حال عند من يرون الهرب دفاعاً أن يقوم الهرب مقام الدفاع، فإذا كان الدفاع عن المال أو الحريم ولم يستطع المدافع الهرب بالمال أو الحريم فلا يعتبر الهرب دفاعاً ولا يلزم به المصول عليه (٤) .

الشرط الرابع: أن يدفع الاعتداء بالقوة اللازمة لرده: يشترط في الدفاع أن يكون بالقدر اللازم لدفع الاعتداء، فإن زاد عن ذلك فهو اعتداء لا دفاع، فالمصول عليه مقيد دائماً بأن يدفع الاعتداء بأيسر ما يندفع به، وليس له أن يدفعه بالكثير إذا كان يندفع بالقليل، فإذا دخل رجل منزل آخر بغير إذنه وكان يدفع بالأمر بمغادرة المنزل أو بالتهديد بالضرب فليس له أن يضربه، فإن لم يخرج ضربه بأسهل ما يعلم أنه يندفع به؛ لأن المقصود دفعه فإن اندفع بقليل فلا حاجة لأكثر منه، فإن علم أنه يخرج بالعصا لم يكن له ضربه بالحديد؛ لأن الحديد آلة للقتل بخلاف العصا، وإن ذهب مولياً لم يكن له قتله ولا اتباعه، وإن ضربه ضربة عطلته لم يكن له أن يثني عليه؛ لأنه كفى شره، وإن ضربه فقطع يمينه فولى مدبراً فضربه فقطع رجله فقطع الرجل مضمون عليه بالقصاص أو الدية؛


(١) المغني ج١٠ ص٣٥٣.
(٢) نفس المرجع السابق، الأم ج٦ ص٢٨.
(٣) تحفة المحتاج ج٤ ص١٢٦.
(٤) المرجع السابق، أسنى المطالب ج٤ ص١٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>