للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعلومة لا يجب عليه أمر ولا نهي؛ لأنه يعجز عن فهم حقائقها ومعرفة فقهها ولو سمح به بالخوض فيها لكان ما يفسده أكثر مما يصلحه (١) .

ولا يشترط في إسقاط الواجب بالعجز وما يلحق به أن يكون العجز وما في حكمه معلوماً علماً محققاً، بل يكفي فيه الظن الغالب؛ لأن للظن الغالب في هذه الحالات معنى العلم والحكمة، فمن غلب على ظنه أن إنكاره لا يفيد لم يجب عليه إنكار، ومن غلب على ظنه أنه يصاب بمكروه لم يجب عليه، وإن غلب على ظنه إنه لا يصاب وجب عليه، أما إذا شك فيه من غير رجحان، فإن الشك لا يسقط الوجوب (٢) .

الشرط الرابع: العدالة: يشترط بعض الفقهاء هذا الشرط، فيرون أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا يصح أن يكون فاسقاً، ويحتجون بقوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} [البقرة: ٤٤] ، وبقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٢، ٣] ، وعندهم أن هداية الغير فرع للاهتداء، وتقويم الغير فرع للاستقامة، وأن العاجز عن إصلاح نفسه أشد عجزاً عن إصلاح غيره.

ولكن الرأي الراجح لى الفقهاء: أن للفاسق أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأنه لا يشترط في الآمر أو الناهي أن يكون معصوماً عن المعاصي كلها؛ لأن في اشتراط هذا الشرط سداً لباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهذا قال سعيد بن جبير: "إن لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر إلا من لا يكون فيه شيء لم يأمر أحد بشيء".

والأصل أن الفاسق يفسق بإتيانه المعاصي؛ أي بإتيانه المحرمات وترك الواجبات، فإذا حرم على الفاسق أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر كان معنى


(١) إحياء علوم الدين المجلد الثاني ج٥ ص٢٨، تفسير المنار ج٤ ص٣٤.
(٢) إحياء علوم الدين المجلد الثاني ج٥ ص٢٨، ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>