كانت فكرة التحريم بعيدة عن الأذهان، ولم تكن النفوس مهيأة لها، وإنما جاءت الشريعة بالتحريم لأنه ضروري لتكميل الشريعة بما يجب أن تكون عليه الشريعة الكاملة الدائمة، وجاءت به لترفع مستوى الجماعة وتوجهها نحو السمو والكمال، وإذا كان العالم غير الإسلامي قد أصبح الآن يفكر في تحريم الخمر، كما أصبحت النفوس مهيأة لقبول التحريم، فمعنى ذلك أن الشريعة الإسلامية بما قررته من تحريم دعت الناس أن يتقدموا عصرهم بأكثر من ثلاثة عشر قرناً.
ولقد دعت الشريعة الإسلامية العالم إلى ترك الخمر وحرمتها على الناس من القرن السابع، ولكن لم يستجب لهذه الدعوة ويأخذ نفسه بتحريم الخمر إلا البلاد الإسلامية، أما ما عداها من البلاد فقد بقيت تحت سلطان الخمر حتى أثبت العلم المادي أخيراً أن الخمر مفسدة عظمى، وأنها تهدم الصحة وتضيع المال وتضعف النسل والعقل وتضر بالإنتاج ضرراً بليغاً، هنالك بدأت الدعوة لتحريم الخمر تظهر وتشتد، وتؤلف لها الجماعات وتجمع لها الأموال وتنشر الصحف، وقد نجحت الدعوة لتحريم الخمر نجاحاً ملحوظاً فلا يكاد يوجد اليوم بلد ليس فيه جماعة قوية تدعو لتحريم الخمر، وتجد كل تعضيد ومساعدة من المفكرين والمصلحين بحيث يمكن أن يقال: إن الدعوة إلى تحريم الخمر أصبحت اليوم عامة.
ويستطيع الإنسان أن يرى الدعوة إلى تحريم الخمر ظاهراً في التشريعات التي صدرت في القرن الحالي، فالولايات المتحدة أصدرت من عدة سنين قانوناً يحرم الخمر تحريماً تاماً، والهند أصدرت من عامين قانوناً مماثلاً. وهاتان هما الدولتان الوحيدتان اللتان حرمتا الخمر تحريماً تاماً. أما أكثر الدول فقد استجابت للدعوة استجابة جزئية؛ فحرمت تقديم الخمر وتناولها في المحلات العامة في أوقات معينة من النهار، كما حرمت تقديمها أو بيعها لمن لم يبلغوا سناً معيناً.
ونستطيع أن نقول بعد ذلك: إن العالم اليوم أصبح مهيأ لفكرة تحريم الخمر بعد أن ثبت علمياً أنها تضر بالشعوب ضرراً بليغاً، وأن الدعوة إلى التحريم