فهنا دفاع شرعي عام. ومن يحاول قتل غيره يدفع عنه باعتباره صائلاً، ويكون الدافع في حالة دفاع شرعي خاص، أما من يحاول الانتحار فيدفع فعله باعتباره منكراً ويكون الدافع في حالة نهي عن المنكر أو تغييره، ومن يحرق مال غيره أو يتلفه يدفع باعتباره صائلاً، ولكن من يحرق ماله أو يتلف مال الغير برضاه يدفع باعتباره فاعلاً لمنكر، فالصيال - أي الهجوم أو الاعتداء - هو ما يميز الدفاع الشرعي الخاص عن الدفاع الشرعي العام.
٣٥٠ - بين الشريعة والقانون: تمتاز الشريعة الإسلامية من يوم وجودها بما جاءت به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي ميزة لم تعرفها القوانين الوضعية قديماً، ولكنها بدأت تعرفها وتأخذ بها في نطاق ضيق ابتداء من القرن الماضي، ولقد أوجبت الشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتجعل من كل إنسان رقيباً على غيره من الأفراد والحكام، ولتحمل الناس على التناصح والتعاون وعلى الابتعاد عن المعاصي والتناهي عن المنكرات، ولقد ترتب على إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن أصبح الأفراد ملزمين بأن يوجه بعضهم بعضاً، وأن يوجهوا الحكام ويقوموا عوجهم وينتقدوا تصرفاتهم، والتوجيه أساسه الأمر بالمعروف والتقويم والنقد أساسه النهي عن المنكر. ولقد فهم المسلمون الأوائل هذا حق الفهم وسلموا به تسليماً، فهذا أبو بكر يصعد المنبر بعد مبايعته فيقول:"أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإذا عصيت فلا طاعة لي عليكم"، وهذا عمر يقول بعد توليته الخلافة:"من رأى في اعوجاجاً فليقومه"، وترتب على إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن أصبح الأفراد ملزمين بالتعاون على إقرار النظام وحفظ الأمن ومحاربة الإجرام، وأن يقيموا من أنفسهم حماة لمنع الجرائم والمعاصي وحماية الأخلاق، وكان في هذا كله الضمان الكافي لحماية الجماعة من الإجرام، وحماية أخلاقها من الانحلال، وحماية وحدتها من التفكك، وحماية نظامها من الآراء الطائشة والمذاهب الهدامة، بل كان فيه الضمان الكافي للقضاء