للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التطبيب أشبه بصاحب الحق منه بمؤدي الواجب لما له من السلطان الواسع وحرية الاختيار في الطريقة والكيفية التي يؤدي بها عمله.

وقد اجتمع الفقهاء على عدم مسئولية الطبيب إذا أدى عمله إلى نتائج ضارة بالمريض، ولكنهم اختلفوا في تعليل رفع المسئولية، فأبو حنيفة يرى أن المسئولية ترتفع لسببين: أولهما الضرورة الاجتماعية إذ الحاجة ماسة إلى عمل الطبيب وهذا يقتضي تشجيعه وإباحة العمل له ورفع المسئولية عنه حتى لا يحمله الخوف من المسئولية الجنائية أو المدنية على عدم مباشرة فنه، وفي هذا ضرر عظيم بالجماعة. ثانيهما: إذن المجني عليه أو وليه، فاجتماع الإذن مع الضرورة الاجتماعية أدى لرفع المسئولية (١) .

ويرى الشافعي أن علة رفع المسئولية عن الطبيب أنه يأتي فعله بإذن المجني عليه وأنه يقصد صلاح المفعول ولا يقصد الإضرار به، فإذا اجتمع هذان الشرطان كان العمل مباحاً للطبيب وانتفت مسئوليته عن العمل إذا كان ما فعله موافقاً لما يقول به أهل العلم بصناعة الطب (٢) . ويتفق رأي أحمد مع رأي الشافعي (٣) .

أما مالك فيرى أن سبب رفع المسئولية هو إذن الحاكم أولاً وإذن المريض ثانياً، فإذن الحاكم يبيح للطبيب الاشتغال بالتطبيب، وإذن المريض يبيح للطبيب أن يفعل بالمريض ما يرى في صلاحه، فإذا اجتمع هذان الإذنان فلا مسئولية على الطبيب ما لم يخالف أصول الفن أو يخطئ في فعله (٤) .

وعلى هذا فالطبيب غير مسئول عن عمله؛ لأن من واجبه أن يؤديه، ولا يسأل عن نتائج عمله ولو أن له حرية كاملة في اختيار هذا العمل وفي اختيار الطريقة التي


(١) بدائع الصنائع ج٧ ص٣٠٥.
(٢) نهاية المجتاج ج٨ ص٢.
(٣) المغني ج١٠ ص٣٤٩، ٣٥٠.
(٤) مواهب الجليل ج٦ ص٣٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>