ويشترط في الجريمة المهدرة شرطان لا يغني أحدهما عن الآخر، أولهما: أن تكون الجريمة ذات عقوبة مقدرة، والعقوبات المقدرة محلها جرائم الحدود وجرائم القصاص فقط، أما جرائم التعازير فعقوباتها غير مقدرة (١) . ثانيهما: أن تكون العقوبة متلفة للنفس أي قتلاً، أو متلفة للطرف أي قطعاً.
وإذا تخلف أحد هذين الشرطين لم تكن الجريمة مهدرة، فالسرقة التي لا قطع فيها كسرقة الأب من الابن، والقتل العمد المعاقب عليه بالدية، لا يعتبر أيهما جريمة مهدرة؛ لأن العقوبة فيها غير متلفة ولو أن العقوبة في حالة الدية مقدرة، ومثل ذلك الزنا من غير محصن والقذف وشرب الخمر، فعقوبات هذه الجرائم الثلاث عقوبات مقدرة ولكنها غير متلفة، ومن ثم فهي جرائم غير مهدرة. وكذلك الحكم لو كانت العقوبة متلفة ولكنها غير مقدرة كالقتل تعزيراً.
وارتكاب الجرائم المهدرة يزيل العصمة من وقت ارتكاب الجريمة لا من وقت الحكم بالعقوبة؛ لأن أساس زوال العصمة هو ارتكاب الجريمة وليس هو الحكم بالعقوبة، وفضلاً عن ذلك فالعقوبات المقدرة ما هي إلا حدود والقواعد العامة في الشريعة أن الحدود واجبة التنفيذ فوراً ولا تحتمل التأخير أو التهاون كما أنها لا تحتمل العفو أو إيقاف التنفيذ، عدا عقوبة القصاص فيجوز العفو فيها من المجني عليه أو وليه، ومن ثم كانت الحدود عقوبات لازمة محتمة لا محيص عنها، ولم يكن هناك ما يدعو لتعليق زوال العصمة على الحكم بالعقوبة.
وإذا كان للمجني عليه أو وليه العفو في عقوبة القصاص فإن ذلك لا يؤثر على القاعدة العامة؛ لأن زوال العصمة في جرائم القصاص نسبي لا عام، فالعصمة تزول بالنسبة للمجني عليه أو وليه فقط ويظل الجاني معصوماً بالنسبة للآخرين،