العموميون على اختلاف درجاتهم كل فيما يختص به. فإذا أدى الموظف واجبه فلا يسأل عنه جنائياً ولو كان الفعل الذي قام به مما تحرمه الشريعة بصفة عامة، فالقتل مثلاً محرم على الكافة ولكنه مباح إذا كان عقوبة؛ لأن العقوبة ليست عدواناً، ولأن من واجب القاضي أن يحكم بها ومن واجب الهيئة التنفيذية أن تنفذها، والحكم بعقوبة الجلد وتنفيذها من واجبات الموظفين، ولا مسئولية على قاضٍ أو منفذ ول أن الضرب محرم أصلاً؛ لأن الحكم واجب على القاضي، والتنفيذ واجب على المنفذ، ولا خيار لأحدهما فيما يجب عليه.
والقاعدة في الشريعة الإسلامية أن الموظف لا يسأل جنائياً إذا أدى عمله طبقا للحدود المرسومة لهذا العمل. أما إذا تعدى هذه الحدود فهو مسئول جنائياً عن عمله إذا كان يعلم أن لا حق له فيه، أما إذا حسنت نيته فأتي العمل وهو يعتقد أن من واجبه إتيانه فلا مسئولية عليه من الناحية الجنائية.
ومن تطبيقات هذه القاعدة إقامة الحدود، فلا خلاف بين الفقهاء في أن إقامة الحدود واجبة، وأن سائر الحدود إذا أتي بها على الوجه المشروع من غير زيادة فلا مسئولية على مقيمها عما تؤدي إليه من تلف؛ لأن الواجب لا يقيد بشرط السلامة، ولأنه لابد للمكلف بالواجب من إتيانه، فمن أقام حد الزنا على غير محصن فضربه مائة جلدة بطريقة مشروعة فلا مسئولية على الضارب إذا أدى الضرب إلى الموت، فإذا تعمد الزيادة عن المائة أو الخطأ فزاد على المائة فأدى الضرب إلى الموت فهو مسئول جنائياً في حالين، وهو مسئول عن الزيادة في الحالين ولو لم يؤد الضرب للموت. وإذا أمر الإمام مقيم الحد أن يضرب أكثر من مائة، وكان مقيم الحد يعتقد طاعة الإمام وتجهل تجريم الزيادة، فلا مسئولية عليه وإنما مسئولية على الإمام، فإذا كان عالماً بالتحريم فهو مسئول ولا يعفيه الأمر من المسئولية (١) .
ومن تطبيقات هذه القاعدة أن الإمام يقتص منه في كل ما تعمده من
(١) المغني ج١٠ ص٣٣٤، شرح فتح القدير ج٤ ص٢١٧، ٢١٨، ٢٥١، أسنى المطالب ج٤ ص١٦٣.