وحق الأمر وواجب الطاعة كلاهما مقيد غير مطلق، فليس لآمر أن يأمر بما يخالف الشريعة، وليس لمأمور أن يطيع فيما يخالف الشريعة سواء كان موظفاً أو غير موظف، وذلك ظاهر من قوله تعالى:{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} ، ومن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، وقوله:"من أمركم من الولاة بغير طاعة الله فلا تطيعوه".
فأمر الحاكم في الشريعة لا يخلي المأمور من المسئولية ولو كان المأمور موظفاً.
وإذا أمر الرئيس مرءوسه بعمل مخالف للشريعة فأتاه وهو عالم بأنه غير مباح له كان على المرءوس عقوبة الفعل الذي أتاه، لأن أمر الرئيس في هذه الحالة يعتبر أمراً غير ملزم لا تجب طاعته، لأنه صدر فيما لا سلطان للرئيس فيه، وليس للمرءوس أن ينفذه فإن نفذه حمل مسئوليته.
وإذا كان الفعل محرماً ولكن المأمور لا يعلم بذلك ونفذه طاعة للأمر معتقداً أنه غير محرم فلا مسئولية علي المأمور لحسن نيته، بشرط أن يكون الفعل داخلاً في اختصاص الآمر، إذ من الواجب على المأمور أن يطيع رئيسه فيما ليس بمعصية (١) .
وإذا أكره الرئيس المرءوس على قتل أحد أو جلده بغير حق فمات فكلاهما مسئول جنائياً عن الفعل، ولا يعفي الإكراه المرءوس من المسئولية ولو كان الإكراه ملجئاً، إذ الأصل في الشريعة أن الإكراه على القتل لا يعفي المكره من العقوبة. وإذا كان الإكراه الملجئ لا يعفي من العقوبة فالإكراه الأدبي لا يعفي منها من باب أولى. والواقع أن الشريعة لا ترى في مركز الرئيس من المرءوس ما يحمل الأخير على إطاعة أمر مخالف للشريعة.
(١) الشرح الكبير ج٩ ص٣٤٢، ٣٤٣، أسنى المطالب ج٤ ص٧ وما بعدها، شرح الزرقاني ج٨ ص١٠.