للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأربعة (١) أن السكران لا يعاقب على ما يرتكب من الجرائم إذا تناول المادة المسكرة مكرهاً، أو تناول المسكر مختاراً وهو لا يعلم أنه مسكر، أو شرب دواء للتداوي فأسكره؛ لأنه ارتكب الجريمة وهو زائل العقل فيكون حكمه حكم المجنون أو النائم وما أشبه.

ويلحق بالإكراه حالة الاضطرار، فمن شرب الخمر مثلاً وهو عالم بأنها خمر لدفع غصة فسكر منها ثم ارتكب جريمة أثناء سكره فإنه لا يعاقب عليها؛ لأنه مكره على تناولها. أما من يتناول المسكر مختاراً بغير عذر، أو يتناول دواء لغير حاجة فيسكر منه، فإنه مسئول عن كل جريمة يرتكبها أثناء سكره سواء ارتكبها عامداً أو مخطئاً، ويعاقب بعقوبتها لأنه أزال عقله بنفسه، وبسبب هو في ذاته جريمة فيتحمل العقوبة زجراً له، فضلا ً عن أن إسقاط العقوبة عنه يفضي إلى أن من أراد ارتكاب جريمة شرب الخمر وفعل ما أحب فلا يلزمه شيء.

وفي كل من المذاهب الأربعة رأي آخر مرجوح (٢) بل مهجور وهو أن السكران لا يسأل عن تصرفاته سواء تناول المسكر مختاراً أو مكرهاً أو غير عالم بأنه مسكر؛ لأن عقله كان زائلاً وقت إتيان الفعل فلم يكن مدركاً، والإدراك أساس المسئولية الجنائية فإذا فقد انعدمت المسئولية، ومصدر هذا الرأي عثمان رضي الله عنه، وهو أحد قولي الشافعي، وقد أخذ به قلة من الفقهاء في كل مذهب، ولكنه كما قلنا رأي مهجور.

٤٠٩ - السكر والمسئولية المدنية: يسأل السكران مدنياً عن فعله ولو أعفي من العقاب لسكره، فالمسئولية المدنية لا ترتفع عن السكران بحال؛ ذلك أن الدماء والأموال معصومة أي محرمة طبقاً للقاعدة العامة في الشريعة، والأعذار


(١) المغني ج٩ ص٣٥٨، وج١٠ ص٣٢٥ وما بعدها، مواهب الجليل ج٦ ص٣١٧، تبصرة الحكام ج٢ ص٢٢٧، تحفة المحتاج ج٤ ص١١٨، المهذب ج٢ ص٨٢، ١٨٥، ٢٠٤، البحر الرائق ج٥ ص٢٥، شرح فتح القدير ج٤ ص١٧٨.
(٢) المراجع السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>