للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلوم الطبية والنفسية، ولكن القوانين الوضعية بالرغم من تطورها تطوراً عظيماً لم تأت بعد بجديد لم تعرفه الشريعة الإسلامية.

ولا نستطيع أن نتصور مدى فضل الشريعة الإسلامية إلا إذا عرفنا ما كانت عليه حالة الصغار في القوانين القديمة التي كانت تعاصر الشريعة عند نزولها. وأهم هذه القوانين القديمة هو القانون الروماني أساس القوانين الأوربية الحديثة، فهذا القانون كان بحق أرقى القوانين الوضعية، ولكنه لم يميز بين مسئولية الصغار والكبار إلا إلى حد محدود، فقد كان يميز بين الطفل في سن السابعة وما بعدها ويجعل الصغير مسئولاً جنائياً إذا زاد سنه عن سبع سنوات، ولا يجعله مسئولاً إذا قل سنه عن سبع سنوات، إلا إذا كان قد ارتكب الجريمة بنية الإضرار بالغير ففي هذه الحالة يكون مسئولاً جنائياً عن عمله، وشتان بين هذا وبين ما جاءت به الشريعة الإسلامية.

٤٣٠ - الصغر والمسئولية الجنائية: تقوم المسئولية الجنائية في الشريعة الإسلامية كما بينا من قبل على عنصرين أساسيين، هما الإدراك والاختيار، ولهذا تختلف أحكام الصغار باختلاف الأدوار التي يمر بها الإنسان من وقت ولادته إلى الوقت الذي يستكمل فيه ملكتي الإدراك والاختيار. والإنسان حين يولد يكون عاجزاً بطبيعته عن الإدراك والاختيار، ثم تبدأ ملكتا الإدراك والاختيار، ثم تبدأ ملكتا الإدراك والاختيار في التكوين شيئاً فشيئاً حتى يأتي على الإنسان وقت يستطيع فيهالإدراك إلى حد ما ولكن إدراكه يكون ضعيفاً وتظل ملكاته تنمو حتى يتكامل نموه العقلي.

وعلى أساس هذا التدرج في تكوين الإدراك وضعت قواعد المسئولية الجنائية، ففي الوقت الذي ينعدم فيه الإدراك تنعدم المسئولية الجنائية، وفي الوقت الذي يكون فيه الإدراك ضعيفاً تكون المسئولية تأديبية لا جنائية، وفي الوقت الذي يتكامل فيه الإدراك يكون الإنسان مسئولاً جنائياً.

ويتبين مما سبق أن المراحل التي يجتازها الإنسان من يوم ولادته حتى بلوغه سن الرشد ثلاث مراحل: الأولى: مرحلة انعدام الإدراك، ويسمى الإنسان فيها

<<  <  ج: ص:  >  >>