للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصبي حتى يحتلم، والنائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق"، ومعنى رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم هو جعل الاحتلام غاية لارتفاع الخطاب، والأصل أن الخطاب بالبلوغ، فدل الحديث على أن البلوغ يثبت بالاحتلام؛ لأن البلوغ والإدراك عبارة عن بلوغ المرء كمال الحال، وذلك بكمال القدرة والقوة على استعمال سائر الجوارح السليمة، وهذا يتحقق عن الكمال عند الاحتلام.

وإذا كان البلوغ بالاحتلام فإن بلوغ الغلام يعرف بالاحتلام والإحبال والإنزال، وبلوغ الجارية يعرف بالحيض والاحتلام والحبل، ولما كانت هذه العلامات قد تتقدم وقد تتأخر فقد رئي أن تتحدد البلوغ بالسن، فحدده أغلب الفقهاء بخمسة عشر عاماً للغلام والجارية جميعاً، وحجتهم أن المؤثر في الحقيقة هو العقل وهو الأصل في المسئولية وبه قوام الأحكام، وإنما جعل الاحنلام حداً للبلوغ شرعاً لكون الاحتلام دليلاً على كمال العقل، والاحتلام لا يتأخر عادة عن خمس عشرة سنة، فإذا لم يحتلم الإنسان حتى هذه السن فذلك يرجع لآفة في خلقته، والآفة في الخلقة لا توجد آفة في العقل، فكان العقل دائماً بلا آفة ووجب اعتبار الشخص بالغاً تلزمه الأحكام.

أما من يحددون البلوغ بثمانية عشر عاماً أو بتسعة عشر عاماً فحجتهم أن الشرع علق الحكم والخطاب والاحتلام فوجب بناء الحكم عليه، ولا يرتفع الحكم عنه ما لم يتيقن بعدمه ويقع اليأس عن وجوده، وإنما يقع اليأس بهذه المدة؛ لأن الاحتلام إلى هذه المدة متصور في الجملة فلا يجوز إزالة الحكم الثابت بالاحتلام عنه مع الاحتمال، أي أنه ما دام الاحتلام مرجواً وجب الانتظار ولا بأس بعد خمس عشرة سنة إلى ثماني عشرة أو تسع عشرة بل هو مرجو فلا يقطع الحكم الثابت بالاحتلام عنه مع رجاء وجوده، بخلاف ما بعد هذه المدة فإنه لا يحتمل وجوده بعدها فلا يجوز اعتباره في زمان اليأس عن وجوده (١) .


(١) بدائع الصنائع ج٧ ص١٧١، ١٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>