إلا إذا عفا المجني عليه أو وليه، وقد منحت الشريعة حق العفو للمجني عليه أو وليه، لأن الجريمة وإن كانت ماسة بكيان المجتمع إلا أنها تمس المجني عليه أكثر مما تمس المجتمع، بل إنها لا تمس المجتمع إلا عن طريق مساسها بالمجني عليه، فإذا عفا المجني عليه أو وليه لم يعد ما يدعو لإهمال شأن المجرم والتشدد في حماية الجماعة؛ لأن أثر الجيمة الخطر يزول بالعفو فتصبح الجريمة غير خطرة ولا تؤثر على كيان المجتمع.
والواقع أن المجني عليه أو وليه لا يعفو إلا إذا صفح عن الجاني أو رأى في الدية فائدة مادية يهمه الاحتفاظ بها، فعله العفو هي إما الصفح أو الفائدة المادية التي تعود على المجني عليه وأوليائه، وكلاهما علة مشروعة تحلها الشريعة محل الاعتبار، لأن الصفح معناه القضاء على الخصومات والأحقاد، ولأن تفصيل الفائدة المادية على العقوبة البدنية معناه التسامح والصفح وإضعاف حدة الخصومات، ولا شك أن حق المجني عليه أو وليه أن يكون أول من تعود عليه الجريمة بالفائدة إذا أمكن ذلك بعد أن أصيب منها وتحمل من آلامها ما لم يتحمله غيره.
القسم الثاني: الجرائم الأخرى: ويشمل هذا القسم كل الجرائم التي لا تدخل تحت القسم الأول. أو هو يشمل الجرائم التي تعاقب عليها الشريعة بعقوبات غير مقدرة، فيدخل تحت هذا القسم كل الجرائم المعاقب عليها بعقوبة تعزيرية، وهي على ثلاثة أنواع:
(١) جرائم التعازير الأصلية، أي كل جريمة ليست من جرائم الحدود ولا من جرائم القصاص والدية.
(٢) جرائم الحدود التي لا يعاقب عليها بعقوبة مقدرة، وهي جرائم الحدود غير التامة، وجرائم الحدود التي يدرأ فيها الحد.
(٣) جرائم القصاص والدية التي يعاقب عليها بعقوبة غير مقدرة، وهي الجرائم التي لا قصاص ولا دية فيها.
والجرائم التي تدخل تحت هذا القسم ليست في خطورة جرائم القسم الأول، ولهذا كان لها حكم مختلف، ففي القسم الأول تقيد الشريعة القاضي بعقوبة معينة