المجني عليه بقى حق الجماعة، أما القصاص والدية فهما من حق المجني عليه وحده فإذا عفا أسقطهما العفو.
العلة في اعتبار جرائم القسم الأول ماسة بكيان المجتمع: قلنا: إن الشريعة تشددت في جرائم القسم الأول واتجهت في اختيار العقوبة وتقديرها إلى حماية المجتمع من الإجرام وأهملت شخصية الجاني إهمالاً تاماً، إلا إذا عفا المجني عليه في جرائم القصاص والدية دون غيرها. وقلنا: إن الشريعة أرادت بذلك حماية المجتمع لأن جرائم القسم الأول بنوعيها تمس كيان المجتمع مساساً شديداً، وقد بقى أن نعرف كيف تمس هذه الجرائم كيان المجتمع، وذلك هو ما سنبينه الآن.
فالجماعات مهما اختلفت على المبادئ أو اختلفت عليها العصور تشترك في أنظمة معينة تعيش عليها الجماعة ويقوم كيانها عليها، ولو بحثنا كل الأنظمة التي تقوم عليها الجماعات في كل أقطار الأرض لوجدنا كل الجماعات تشترك في أربعة أنظمة هي الدعائم التي يقوم عليها فعلاً كل مجتمع على وجه البسيطة، وهذه الأنظمة الأربعة هي:
(١) نطام الأسرة. ... ... ... (٢) نظام الملكية الفردية
(٣) النظام الاجتماعي للجماعة. ... (٤) نظام الحكم في الجماعة.
فوجود الرجل والمرأة وقدرتهما على التناسل وحاجة هذا النسل إلى من يعوله حتى يبلغ أشده؛ كل هذا اقتضى بطبيعته أن يستأثر كل رجل بامرأة معينة، وأن ينسب لنفسه من تلده من أبناء، وهكذا اقتضى وجود الرجل والمرأة وجود نظام الأسرة، وصار هذا النظام أساساً تقوم عليه كل جماعة؛ لأن الجماعة ليست إلا مجموعة من الأفراد، ولا يزال نظام الأسرة حتى في الدول الشيوعية عماد المجتمع وسيظل كذلك إلى ما شاء الله.
وحاجة الإنسان الطبيعية الدائمة إلى المطعم والمشرب والملبس والمسكن وأدوات السعي لهذه ولغيرها من المنافع إلى تملك هذه الأشياء والاستئثار بها دون غيره من الناس لنفسه أولاً ولنفسه ولأسرته بعد أن اقتضى الحال وجود نظام