للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفردية، وإن صحبها القتل فهي أيضاً اعتداء على حياة الأفراد المكونين للجماعة، وإن اقتصرت على ترويع المجني عليه فهي اعتداء على أمن الجماعة، والاعتداء على حياة الأشخاص وأمنهم هو اعتداء على نظام الاجتماعي وعلى نظام الحكم؛ لأن كل جماعة ملزمة بحماية حياة الأفراد وتوفير الأمن لهم، لأن ذلك ضروري لبقاء الجماعة، فإذا لم تكن هذه الجماعة فمعنى ذلك تفكك الجماعة وانحلالها؛ لأن الأساس الأول لبقاء الجماعة وهو حماية أفرادها منعدم، ولا يحمي الأفراد ويمنع الاعتداء على حياتهم وأمنهم إلا تقرير العقوبة الرادعة على هذا الاعتداء.

هذه هي الجرائم التي تمس كيان المجتمع مساساً مباشراً، عاقبت عليها الشريعة بعقوبات رادعة، وأهملت في تقدير العقوبة شخصية الجاني إبقاء للجماعة وحماية لها. وإذا قلنا إن هذه الجرائم تمس كيان الجماعة فليس معنى ذلك أن باقي الجرائم لا تمس الجماعة من قريب أو بعيد، إذ الواقع أن كل جريمة أياً كانت تمس الجماعة، ولكننا نستطيع أن نقول: إنه ليس في الجرائم كلها ما يمس الأسس التي يقوم عليها المجتمع مساساً مباشراً مثل الجرائم التي احتفظت لها الشريعة بهذه العقوبات، وإن بقية الجرائم إن مست مصالح المجتمع فإنها لا يمس الأنظمة التي تقوم عليها الجماعة، وإن مست هذه الأسس فإنها لا تمسها مساساً مباشراً وخطيراً، وهكذا كانت الشريعة منطقية وواقعية حين أهملت شخصية الجاني في الجرائم التي تمس كيان المجتمع وتتصل بالأسس التي يقوم عليها، وكانت الشريعة منطقية وواقعية حين ميزت بين هذه الجرائم من ناحية وبقية الجرائم من ناحية أخرى، لتفاوت الخطورة والآثار في النوعين.

علة التفرقة في العقاب بين جرائم الحدود وبين جرائم القصاص والدية: وتعتبر الشريعة جرائم الحدود وجرائم القصاص والدية ماسة بكيان المجتمع وبالأسس التي يقوم عليها، وبالرغم من هذه التسوية فقد أبيح للمجني عليه أو وليه حق العفو عن العقوبة في جرائم القصاص والدية ولم تبح له أن يعفو في جرائم

<<  <  ج: ص:  >  >>