تقليل الجرائم وتأمين المجتمع, وما دامت العقوبة ملائمة للفرد وصالحة للجماعة فهي أفضل العقوبات وأعدلها.
ولكن ذلك كله لا يكفي عند بعض الناس لتبرير عقوبة القطع؛ لأنهم يرونها - كما يقولون - عقوبة موسومة بالقسوة, وتلك هي حجتهم الأولى والأخيرة, وهي حجة داحضة, فإن اسم العقوبة مشتق من العقاب ولا يكون العقاب عقاباً إذا كان موسوماً بالرخاوة والضعف, بل يكون لعباً أو عبثاً أو شيئاً قريباً من هذا, فالقسوة لابد أن تتمثل في العقوبة حتى يصح تسميتها بهذا الاسم.
وبعد ذلك فإن القانون أيها السادة الرحماء يوجب الحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة في بعض جرائم السرقة, ويوجب الحكم بالأشغال الشاقة المؤقتة في بعض آخر, فكيف ترضى قلوبكم الرحيمة أن يوضع المحكوم عليه في السجن كما يوضع الحيوان في قفصه أو الميت في قبره طول هذه المدة محروماً من حريته بعيداً عن أهله وذويه، وأيهما أقسى: قطع يد المحكوم عليه وتركه بعد ذلك يتمتع بحريته ويعيش بين أهله وولده أم حبسه على هذا الوجه الذي يسلبه حريته وكرامته وإنسانيته ورجولته؟
والقانون أخيراً أيها الرحماء يبيح عقوبة الإعدام وهي تؤدي إلى إزهاق الروح وفناء الجسد، أما عقوبة القطع فهي تؤدي إلى فناء جزء من الجسد فقط, فمن رضي بعقوبة الإعدام وأنتم بها راضون وجب أن يرضى بعقوبة القطع؛ لأنها جزء من كل، ومن لم يستفظع عقوبة الإعدام فليس له أن يستفظع عقوبة القطع بأي حال.
إن الشريعة الإسلامية حين قررت عقوبة القطع لم تكن قاسية, وهي الشريعة الوحيدة في العالم التي لا تعرف القسوة، وما يراه البعض قسوة إنما هو القوة والحسم اللذان تمتاز بهما الشريعة يتمثلان في العقوبة كما في العقيدة وفي العبادات وفي الحقوق وفي الواجبات, ولعل لفظ الرحمة ومشتقاته أكثر