ومصدر عقوبة القصاص هو القرآن والسنة, فالله جل شأنه يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: ١٧٨، ١٧٩] , ويقول جل شأنه:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[المائدة: ٤٥] . وجاءت السنة مؤكدة لما جاء به القرآن, فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول:"من اعتبط مؤمناً بقتل فهو قود به, إلا أن يرضى ولي المقتول", ويقول:"من قتل له القتيل فأهله بين خيرتين، إن أحبوا فالقود, وإن أحبوا فالعقل؛ أي الدية".
وليس في العالم كله قديمه وحديثه عقوبة تفضل عقوبة القصاص, فهي أعدل العقوبات, إذ لا يجازي المجرم إلا بمثل فعله, وهي أفضل العقوبات للأمن والنظام؛ لأن المجرم حينما يعلم أنه سيجزى بمثل فعله لا يرتكب الجريمة غالباً.
والذي يدفع المجرم بصفة عامة للقتل والجرح هو تنازع البقاء وحب التغلب والاستعلاء، فإذا علم المجرم أنه لن يبقى بعد فريسته أبقى على نفسه بإبقائه على فريسته، وإذا علن انه إذا تغلب على المجني عليه اليوم فهو متغلب عليه غداً لم يتطلع إلى التغلب عليه عن طريق الجريمة, وأمامنا على ذلك الأمثلة العملية نراها كل يوم, فالرجل العصبي المزاج السريع إلى الشر تراه أهدأ ما يكون وأبعد عن الشر وطلب الشجار إذا رأى خصمه أقوى منه أو قدر أنه سيرد على الاعتداء بمثله. والرجل المسلح قد لا يثنيه شئ عن الاعتداء ولكنه يتراجع ويتردد إذا رأى خصمه مسلحاً مثله ويستطيع أن يرد على الاعتداء بالاعتداء. والمصارع والملاكم لا يتحدى أيهما شخصاً يعلم أنه أكثر منه قوة أو أمرنا أو جلداً, ولكنه