يصعد الجبل شديد الانحدار ولا يخاف تسلق التل المنبسط, ويخشى أن يركب الفرس الجموح ولكنه يسعى إلى امتطاء المطية الذلول, والإنسان في هذا كله يقدر المنفعة والضرر ويوازن بينهما, فإن رجحت كفة المنفعة فهو مقدم عليها وإن رجحت كفة الضرر فهو محجم عنها, وطبيعة الإنسان تلازمه في الخير والشر, في الأعمال المباحة والأعمال المحرمة, فلا يرتكب الجريمة إلا لما ينتظره منها من منفعة, ولا ينتهي عن الجريمة إلا لما يخشاه من مضارها, كلما اشتدت العقوبة كلما ابتعد الناس عن الجريمة, وكما خفت العقوبة كلما ازداد إقالهم على الجريمة, وكلما نظرنا إلى الجريمة دون المجرم أيس المجرم فلم يطمع في استعمال الرأفة ونأى بجانبه عن الجريمة وسلك طريق الاستقامة, وقد استغلت الشريعة طبيعة الإنسان فوضعت على أساسها عقوبات الجرائم عامة وعقوبات جرائم الحدود والقصاص خاصة, ونظرت في الجرائم الأخيرة إلى الجريمة دون المجرم؛ لأن هذه الجرائم من الخطورة بمكان, ولأنها تمس كيان الجماعة ونظامها, فالتساهل فيها يؤدي إلى أسوء النتائج, والتشدد
فيها يؤدي إلى قلة وقوع هذه الجرائم.
ولدينا تجربة في القانون المصري تثبت أن إهمال شخصية المجرم في الجرائم الخطيرة يؤدي إلى أفضل النتائج, فقد رأى الشارع المصري أخيراً أن يهمل شخصية الجاني إلى حد ما في جرائم المخدرات فأصدر القانون رقم ٢١ لسنة ١٩٢٨, وهو قانون يشدد عقوبة إحراز المخدرات ويضع حداً أدنى للعقوبة, كما يقضي بأن لا تقل العقوبة عن ضعف الحد الأدنى في حالي العود ويمنع إيقاف تنفيذ العقوبة, وقد ترتب على صدور هذا القانون أن قلت جرائم المخدرات قلة ظاهرة وصارت تقل سنة بعد أخرى, فقد كان عدد جرائم المخدرات ٢١١١٣ جريمة في سنة ١٩٢٦ - ١٩٢٧ أي في السنة السابقة على صدور القانون, فأصبحت ١١٤٠٤ جريمة في سنة ١٩٢٨ - ١٩٢٩, وأصبحت ٨٥٩٩ جريمة في سنة ١٩٢٩ - ١٩٣٠ ونزلت إلى ١٩٢٢ جريمة في السنة ١٩٣٦ - ١٩٣٧ كما نزلت إلى ١٩٢٦ جريمة في سنة ١٩٤٢ -